#أوسلو
بينما تركّز النقاشات حول اللجوء غالبًا على الشباب وقدرتهم على الاندماج والعمل، يغيب عن الساحة الإعلامية واقع فئة خاصة من اللاجئين: من هم في الخمسينات من عمرهم، تحديدًا في سن السابعة والخمسين. فماذا تقدم لهم النرويج؟ وهل تتناسب السياسات المطبقة مع أوضاعهم النفسية، الصحية والاجتماعية؟ وهل تؤهلهم هذه السياسات للعيش بكرامة دون القدرة على الاندماج الكامل في سوق العمل؟
واقع يفرضه العمر: إعفاء جزئي من الاندماج
بحسب قانون الإدماج المعمول به في النرويج، يُمنح اللاجئون فرصة الدخول في برنامج الاندماج (introduksjonsprogram) الذي يستمر عادة لمدة عامين، ويشمل دورات مكثفة في اللغة النرويجية، التوعية المجتمعية، والتأهيل المهني. لكن اللاجئين الذين تجاوزوا سن 55 عامًا يمكن أن يُعفوا من الالتزام الإجباري بهذا البرنامج، وذلك وفقًا لتقدير البلدية وحالة الفرد.
في سن 57، يُنظر إلى الشخص على أنه في مرحلة متقدمة نسبيًا، مما يجعل فرص تعلم اللغة وبدء حياة مهنية جديدة أكثر صعوبة مقارنة بمن هم في الثلاثينات أو الأربعينات. ولذلك، فإن عددًا من البلديات تعرض عليهم خيارًا طوعيًا للمشاركة في البرنامج، أو إدراجهم في دورات لغوية خفيفة وأنشطة اجتماعية بديلة تهدف إلى دمجهم نفسيًا واجتماعيًا أكثر من التركيز على التأهيل المهني.
دعم مالي
يتلقى اللاجئون الذين لا يشاركون في برنامج الاندماج أو أنهوا فترته دعمًا ماليًا من NAV، يُصرف على شكل:
بدل معيشة لتغطية المصاريف اليومية.
دعم إيجار (bostøtte) لتغطية جزء من تكاليف السكن.
مساعدات إضافية عند الحاجة الخاصة، مثل ملابس شتوية أو دعم صحي.
لكن يجدر التنويه أن هذا الدعم لا يُعتبر طويل الأمد، بل يُراجع بانتظام، ويخضع لتقييم دوري للتأكد من أن المستفيد لا يملك مصادر دخل أخرى.
الرعاية الصحية:
بغض النظر عن العمر، يحصل اللاجئ في النرويج على رعاية صحية متكاملة. لكن في سن 57، قد يعاني البعض من أمراض مزمنة أو آلام جسدية مرتبطة بالتقدم في السن أو بظروف اللجوء القاسية السابقة.
يمتلك اللاجئ رقم هوية مؤقتًا أو دائمًا يتيح له التسجيل في نظام الرعاية الصحية، حيث يمكنه اختيار طبيب عام (fastlege)، والحصول على أدوية، وفحوصات، وحتى متابعة نفسية عند الضرورة. وبعد دفع مبلغ معين سنويًا (عادة نحو 3,000 كرونة)، يحصل على بطاقة الإعفاء الصحي (frikort)، التي تمنحه علاجات مجانية لبقية العام.
التقاعد:
بالنسبة للمعاشات التقاعدية، فإن الوضع أكثر تعقيدًا. فالنظام التقاعدي النرويجي يعتمد على عدد سنوات الإقامة القانونية والعمل بعد سن 16. ويشترط الحصول على الحد الأدنى للمعاش (minstepensjon) الإقامة لمدة 40 عامًا. من يقيم أقل من ذلك، يحصل على نسبة مئوية فقط.
مع بلوغ سن 57، يكون من المستحيل تقريبًا استكمال هذا الشرط، لذلك يُحسب للّاجئ معاش نسبي جزئي عندما يصل إلى سن 67، أو قد يحصل على معاش ضمان أساسي (garantipensjon) إذا أقام على الأقل 3 سنوات، لكن قيمته منخفضة جدًا ويعتمد على تقييم NAV.
بالتالي، يعيش العديد من اللاجئين في هذه الفئة العمرية على المساعدات الاجتماعية، ويواجهون مستقبلًا غامضًا ماليًا بعد سن التقاعد.
تحديات نفسية واجتماعية
لا يمكن إغفال البعد النفسي في هذه المرحلة من العمر. فالكثير من اللاجئين في سن السابعة والخمسين يعانون من فقدان الشعور بالانتماء، الوحدة، وفقدان الدور الاجتماعي، خصوصًا إذا لم يكن لديهم أقارب أو شبكة دعم اجتماعي في النرويج. كما أن تجارب الحرب أو اللجوء القسري تُفاقم من حالات الاكتئاب والقلق.
ورغم أن بعض البلديات تقدم جلسات دعم نفسي، إلا أن اللغة والحواجز الثقافية تقف عائقًا أمام الوصول إلى علاج فعّال.
نحو سياسة أكثر مرونة وإنسانية
يطالب عدد من منظمات المجتمع المدني النرويجي بضرورة إنشاء برامج خاصة لكبار السن من اللاجئين، تأخذ بعين الاعتبار وضعهم الصحي، النفسي، وعدم إمكانية اندماجهم الكامل. هذه البرامج قد تشمل:
نشاطات اجتماعية يومية.
دعم نفسي موجه.
تسهيلات في شروط السكن والمعيشة.
رفع الحد الأدنى للمساعدات المالية لهذه الفئة
اللاجئ في النرويج في عمر 57 سنة يعيش في منطقة رمادية بين حق الرعاية وحدود الدمج. يحصل على خدمات أساسية، لكنه يبقى خارج المعادلة الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأمد. في بلد يفتخر بنظامه الاجتماعي المتقدم، تبقى فئة اللاجئين كبار السن بحاجة إلى سياسة شاملة تعيد لهم الشعور بالأمان والكرامة، دون أن تُحمّلهم فوق طاقتهم في عمر لا يسهل فيه البدء من جديد.