اوسلو – النرويج بالعربي
شكلت 2016 سنة استثنائية في النرويج التي عاشت على وقع تقلبات اقتصادية ونقاشات حول ميزانية السنة المقبلة، وتراجع أسعار النفط لأكبر بلد مصدر للذهب الأسود في غرب أوروبا.
فقد ختمت النرويج هذه السنة بالخروج من نفق مسدود، بسبب بنود الميزانية العامة للسنة المقبلة، التي لقي بعضها اعتراضات من قبل حزبين مساندين لحكومة اليمين، وهما الحزب الليبرالي والحزب الديمقراطي المسيحي.
وكادت الخلافات أن تشكل سببا في تصدع جدار العلاقة بين الائتلاف الحكومي المكون أساسا من حزب المحافظين، برئاسة رئيسة الوزراء إيرنا سولبيرغ، وحزب التقدم الذي تقوده سيف ينسن التي تشغل منصب وزيرة المالية، والحزبين المساندين لهما.
وكان الرهان الأساسي هو الوصول إلى اتفاق، ولو في المراحل الأخيرة من سنة 2016 ، من أجل إنقاذ التحالف اليميني من انفراط عقده والمكون من حزبي المحافظين، والتقدم، وحزبين مساندين (الحزب الليبرالي والحزب الديمقراطي المسيحي).
وتمحورت الخلافات على الخصوص حول تبعات مالية لإجراءات حول الضرائب وتدابير جديدة تسير في اتجاه تبني سياسة بيئية تساهم في الحفاظ على الصورة النوعية لهذا البلد الذي نحت اسمه في عالم التطور البيئي والحد من التغيرات المناخية.
وشكلت المفاوضات، التي انتهت باتفاق شامل، منعطفا في تحالف يريد أن يبقى متكتلا إلى غاية إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة المزمع تنظيمها في سنة 2017 لكي تبرز الخريطة الجديدة للحياة السياسية والحكومية في مرحلة أخرى قد تتسم بعودة اليسار بقيادة الحزب العمالي، أو الإبقاء على التحالف اليميني الحالي.
وتتركز ميزانية السنة المقبلة حول العديد من التحديات، عبر التركيز على قطاع النقل وعلى الخصوص بناء المزيد من الطرق والسكك الحديدية، ومواصلة جهود تعزيز الضمان الاجتماعي.
كما تراهن الميزانية العامة للنرويج على التحفيز من أجل خلق مناصب الشغل عبر الاستثمار في المعرفة والبحث والابتكار، وتطبيق بعض الإصلاحات الضريبية.
ولم تغط هذه الأزمة العابرة على نقاش الوضع الاقتصادي بالبلاد الذي قد يحقق نموا مختلفا عن السنوات الماضية، بفعل التقلبات الطارئة في أسعار النفط الذي يعتمد عليه هذا البلد الاسكندنافي.
ويسود تفاؤل حذر من نتائج الاقتصاد المحلي والتوقعات المستقبلية، خاصة أن هناك تصريحات لمسؤولين يؤكدون فيها أن الاستثمارات النرويجية في مجال النفط الذي يشكل نقطة مضيئة في النسيج الاقتصادي للبلاد، قد تشهد تراجعا في السنوات المقبلة.
ويأتي هذا الأمر في وقت أكدت فيه رئيسة الوزراء النرويجية، إيرنا سولبيرغ، أن الاقتصاد النرويجي قد يحقق نموا ملحوظا في صناعات جديدة، بغض النظر عن أداء قطاع النفط.
وكانت صناعة النفط في البلاد قد عرفت بعض الصعوبات بفعل تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، مما أدى إلى الاستغناء عن خدمات العديد من العاملين، ما أثر على نسبة البطالة .
ويتوقع مراقبون أن تواجه شركات النفط النرويجية صعوبات مستقبلية وبالتالي عليها بذل المزيد من الجهد لإنعاش قطاع له دوره الحيوي في إنعاش اقتصاد هذا البلد الاسكندنافي، وكذا التغلب على كل الأوضاع المحتملة خاصة مع عدم وجود يقين بشأن تعافي الأسواق العالمية رغم بوادر اتفاق محتمل بين أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك).
وقد يكون هذا ما جعل الميزانية العامة للبلاد برسم السنة المقبلة تتحدث عن تحفيز العمل وتنشيط الاقتصاد من أجل خلق مزيد من مناصب الشغل، من خلال استهداف مجال الاستثمار في قطاعات لها راهنيتها على المستوى المحلي والعالمي، مثل المعرفة والبحث والابتكار.
ويمكن القول إن انخفاض أسعار النفط انعكس على مداخيل الحكومة المعتمدة على الخصوص على عائدات البترول والغاز والضرائب، مما اضطرها ولأول مرة للجوء إلى صندوق الثروة السيادي الذي من أهدافه تأمين عائدات مالية مهمة للأجيال القادمة.
ويركز صندوق الثروة السيادي النرويجي بالأساس على الاستثمار في السندات في مشاريع ومؤسسات اقتصادية في الخارج، ويحقق أرباحا مهمة على مستوى عائداته، حيث ارتفعت أرباحه بنحو 4 في المائة خلال الربع الثالث من سنة 2016.
وأكد الصندوق، الذي يعد الأكبر في العالم (قيمة أصوله 890 مليار دولار)، أن عائداته بلغت 240 مليار كرونة (نحو 30 مليار دولار) نظرا لارتفاع أسهمه بنحو 6 في المائة.
واستطاع الصندوق تحقيق هذه المكاسب رغم ارتفاع السحوبات التي قامت بها الحكومة النرويجية إلى 30 مليار كرونة (3.6 مليار دولار) في الربع الثالث من سنة 2016 بالمقارنة مع 24 مليار كرونة (2.9 مليار دولار) في الربع الثاني.
وفي أفق تحسن الاقتصاد النرويجي في السنة المقبلة، يطرح التساؤل حول مدى ضمان قدرة البلاد على التأقلم مع الظرفيات المتغيرة، وتحقيق نتائج جيدة على المدى المتوسط على مستوى القدرة على النمو الاقتصادي المتواصل.