تؤدي النرويج دورًا مهمًا بتعزيز أمن الطاقة في أوروبا
يمثّل حقل يوهان سفيردروب قرابة رُبع إجمالي إنتاج النفط في منطقة بحر الشمال
شهدت إكوينور زيادة في إنتاجها قبالة السواحل البرازيلية، وكذلك في خليج المكسيك الأميركي
سجلت إكوينور زيادة نسبتها 12% على أساس سنوي في إنتاج النفط النرويجي
لامس إنتاج النرويج من النفط القابل للتسويق 232 مليون متر مكعب في عام 2022
في سيناريو أزمة الطاقة الناتجة عن التوترات المتصاعدة للحرب الروسية الأوكرانية، خطت النرويج خطوات واسعة في التحول إلى لاعب مهم في مشهد الطاقة الأوروبي.
فقد نجحت النرويج في تخطّي روسيا لتصبح مزوّد الغاز الرئيس لأوروبا، في أعقاب القرار الذي اتخذته موسكو بقطع الإمدادات، في حين ما تزال الحرب الأوكرانية تُدير رحاها دون هوادة.
YouTube Channel
00:00
Previous
PlayNext
00:00 / 06:05
Mute
Settings
Fullscreen
Copy video url
Play / Pause
Mute / Unmute
Report a problem
Language
Share
Vidverto Player
ADVERTISEMENT
وبدعم من مواردها الغنية في قطاعي النفط والغاز، أضحت النرويج بمثابة العمود الفقري لأمن الطاقة في أوروبا، ليصبح وجودها ضرورة ملحّة في العقود المقبلة.
ويُعدّ قرار النرويج الإستراتيجي بشأن الموافقة على تخصيص 18 مليار دولار أميركي لتطوير 19 حقلًا في قطاع النفط والغاز لديها، من بينها استثمارات تتجاوز 200 مليار كرونة نرويجية (18.51 مليار دولار أميركي)، جزءًا رئيسًا في إستراتيجية أوسلو الرامية لاستدامة الإنتاج على المدى البعيد.
ويوضح الرسم التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، الإنتاج التاريخي والمتوقع في النرويج خلال المدة من 1970-2027:
الإنتاج التاريخي والمتوقع في النرويج خلال المدة من 1970-2027
زيادة قياسية في إنتاج النفط
في العام الماضي (2022) وحده، أنتجت النرويج 232 مليون متر مكعب نفط مكافئ من النفط القابل للتسويق، بزيادة طفيفة من العام قبل الماضي (2021)، وإن كان أقلّ قليلًا من الإنتاج القياسي المسجل في عام 2004.
ويرجع انخفاض إنتاج النفط الحاصل في العام الماضي (2022)، مقارنة بالسنة السابقة (2021)، في الغالب إلى التأخيرات في بدء المشروعات الجديدة، إلى جانب هبوط الاحتياطيات في حقول معينة.
والمثير للدهشة أن الغاز الطبيعي شكّل ما نسبته 53% من إجمالي الإنتاج المُقاس بالنفط المكافئ في عام 2022، نتيجة الطلب المرتفع والتراخيص الممنوحة إلى حقول معينة لوقف حقن الغاز.
ارتفاع في إنتاج الغاز
خلال عام 2022، شهدت النرويج صعودًا بنسبة 8% في إنتاجها من الغاز، قياسًا بالسنة السابقة (2021)، إذ لامس إجمالي حجم مبيعات الغاز 124 مليار متر مكعب.
وهذه الزيادة الكبيرة تُعزى -أساسًا- إلى الطلب المتنامي على الغاز في القارة العجوز.
وما أسهم في هذا النمو -أيضًا- هو القرار التنظيمي الذي أتاح لحقول معينة التوقف عن حقن الغاز.
وفي تطور متزامن، بيعَ جزء كبير هامشيًا من الإنتاج النفطي، لا سيما سوائل الغاز الطبيعي بوصفها غاز أنابيب، ما دعم حجم صادرات الغاز.
وتسلّط تلك العوامل مجتمعةً الضوء على الدور المحوري الذي تؤديه النرويج في تغطية متطلبات الغاز في أوروبا، مع توسيع صادراتها من تلك السلعة الحيوية.
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- الإنتاج السنوي من الحقول في بحر الشمال:
الإنتاج السنوي من الحقول في بحر الشمال
ثروة النرويجيين الهائلة
تبرز الثروة الهائلة لسكان النرويج جزءًا حيويًا آخر من لغز الطاقة.
فعبر دعم حساب المدّخرات البالغة قيمته تريليون دولار، يمتلك المواطنون النرويجيون مجتمعين ما نسبته 1.4% من الأسهم العالمية عبر صندوق الثروة السيادية الوطني.
وهذا النمو المذهل الذي يجيء مقترنًا بالتحفيزات الضريبية المؤقتة التي أدخلت في عام 2020 لتحفيز الاستثمارات النفطية، قد قاد إلى تدفّق الطلبات من شركات الطاقة الراغبة في اغتنام تلك الفرصة.
وتشتمل قائمة المشروعات الرئيسة، التي منحت أوسلو الضوء الأخضر لتطويرها، على 9 مشروعات، تنفّذها أكر بي بي (Aker BP)، و3 مشروعات تنفّذها إكوينور (Equinor)، و7 مشروعات تقودها فينترسال ديا الألمانية (Wintershall Dea)، وأو إم في (OMV) النمساوية.
وقال وزير النفط والطاقة النرويجي تيري أسلاند، إن تلك المشروعات ستضمن إنتاجًا مرتفعًا ومستقرًا من الجرف القاري النرويجي، ما يدعم بدوره فرص التوظيف وخلق القيمة.
مشروع يوهان سفيردروب
تدرس عملاقة الطاقة النرويجية الحكومية إكوينور إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع يوهان سفيردروب، مستهدفةً استدامة المستويات المرتفعة الحالية من الإنتاج من هذا الحقل العملاق، والبالغة سعته نحو 755 ألف برميل يوميًا.
ويتّسق هذا المستهدف مع إستراتيجية الشركة التي تركّز على تعزيز سعة الشحن لديها من أجل استيعاب أحجام نفط إضافية.
وسجلت إكوينور زيادة نسبتها 12% على أساس سنوي في إنتاج النفط النرويجي، خلال الربع الثاني من العام الجاري (2023)، إلى 645 ألف برميل يوميًا.
وجاء هذا النمو مدعومًا بتسريع وتيرة مرحلة التطوير الثانية في حقل يوهان سفيردروب، التي انطلقت عملياتها في شهر ديسمبر/كانون الأول (2022).
وشهدت إكوينور -أيضًا- زيادة في إنتاجها قبالة السواحل البرازيلية، وكذلك في خليج المكسيك الأميركي.
وقاد هذا إلى زيادة إجمالية نسبتها 15% في إنتاج النفط بالشركة، ليصل إجمالي الإنتاج إلى 1.01 مليون برميل يوميًا.
ويمثّل حقل يوهان سفيردروب، الذي بدأ تشغيله في عام 2019، قرابة رُبع إجمالي إنتاج النفط في منطقة بحر الشمال.
ويتّسم النفط الخام المُنتَج من حقل يوهان سفيردروب بكونه ثقيلًا وغنيًا بالكبريت، لكنه شهد طلبًا كبيرًا نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا وخامها القياسي الأورال.
وفي 25 يوليو/تموز (2023)، جرى تقييم الخام المُستخرج من حقل يوهان سفيردروب من قبل مؤسسة بلاتس، الوحدة التابعة لمنصة إس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس، بعلاوة قدرها 2.59 دولارًا للبرميل، ما يزيد على خام برنت في بحر الشمال، مما يؤكد مدى رغبة السوق فيه.
ويوضح الرسم التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، تاريخ الإنتاج والتوقّعات الموزعة حسب فئة الموارد خلال المدة من 2018-2032:
تاريخ الإنتاج والتوقّعات الموزعة حسب فئة الموارد خلال المدة من 2018-2032
لاعب مهم في مشهد الطاقة
يُعدّ التأثير الهائل الذي تخلّفه النرويج في مشهد الطاقة العالمية مذهلًا بالنظر إلى تعداد سكان الدولة البالغ 5 ملايين نسمة فقط.
إن الدور الهائل الذي تؤديه النرويج في “تحول الطاقة” وخطواتها الكبيرة التي اقتحمت بها سوق السيارات الكهربائية قد وضعت النرويج في دائرة الضوء العالمية.
ومع ذلك، فإن هذا التحول المذهل يُعرّي التعقيدات التي تعترض عملية تحقيقه.
ورغم إنتاج النفط والغاز التقليديين لديها، يتّضح التزام البلد الإسكندنافي بتحوّل الطاقة في تصنيفها المتقدم على مؤشر تحول الطاقة 2023، لتنضم النرويج بذلك إلى صفوف الدول التي تتبنى مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، مثل أيسلندا وباراغواي وكوستاريكا.
السيارات الكهربائية
من المتوقع أن تشكّل السيارات الكهربائية ما نسبته 60% من إجمالي مبيعات السيارات بحلول نهاية العقد الجاري (2030)، لتسدل الستار بذلك على استعمال قرابة 6 ملايين برميل من النفط يوميًا.
ورغم هذا يشار إلى أن السيارات الكهربائية -رغم هيمنتها على مبيعات السيارات الجديدة- تمثّل 22.6% فقط من المسافات التي قُطِعَت على الطرق في عام 2022.
ويمكن أن يُعزى هذا إلى حقيقة مفادها أن السيارات الكهربائية تكون خيارًا ثانيًا أو ثالثًا بالنسبة للكثيرين.
صخور الفوسفات
من المتوقع أن تسدّ رواسب كبيرة تحت الأرض من صخور الفوسفات عالية الجودة في النرويج، والتي توصف بأنها الأكبر في العالم، الطلب العالمي على الأسمدة، والألواح الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية خلال القرن المقبل.
ويُستعمل الفوسفور -مكون رئيس في هذه الصخور- ليس في صناعة الأسمدة فحسب، ولكن كذلك في تصنيع الألواح الشمسية وبطاريات فوسفات الحديد والليثيوم المستعملة في السيارات الكهربائية، إلى جانب الرقائق الإلكترونية، ورقائق الحاسوب.
وتُوصف تلك المنتجات سالفة الذكر من قبل المفوضية الأوروبية بأنها مهمة إستراتيجيًا لوضع أوروبا في قلب صناعة التحول الرقمي والأخضر.
ويُقدَّر حجم صخور الفوسفات عالية الجودة في النرويج بما لا يقلّ عن 70 مليار طن.
وفي سياق عالمي، يعادل هذا قرابة 71 مليار طن من الاحتياطيات العالمية المؤكدة، وفق تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية الصادرة في عام 2021.
آفاق واعدة
رغم أن إنتاج النفط في النرويج كان -وما يزال- موضع خلاف بالنسبة لأنصار البيئة وناشطي المناخ، تؤكد أوسلو أن موارد النفط والغاز لا يمكن الاستغناء عنها في أمن الطاقة الأوروبي.
ومن المتوقع انخفاض إنتاج النفط والغاز بسبب انخفاض الاستثمارات، والتحول الطاقي، وعدم وجود دعم سياسي للنفط والغاز.
في الوقت نفسه، سيستمر الطلب على النفط والغاز بالارتفاع، هذه التطورات ستدعم قطاع النفط والغاز النرويجي.
أضف إلى ذلك، فإن زيادة عدد السيارات الكهربائية ستزيد الطلب على الكهرباء، وهذا بدوره سيزيد الطلب على الغاز.
وبناءً عليه فإن الدور الذي تؤديه النرويج في سيناريو الطاقة الأوروبي الحالية هو خلاصة مزيج مُعقّد من إنتاجها التقليدي من النفط والغاز، وريادتها العالمية في تحول الطاقة، إلى جانب المطالب العاجلة لترسيخ أمن الطاقة.
وستحدد نتيجة تلك الديناميكيات المعقّدة المسار المستقبلي لقطاع الطاقة في النرويج ودورها المحوري في أمن الطاقة الأوروبي.
* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
منصة الطاقة الإخباري