بدأت المنشورات تتهافت على مواقع التواصل الاجتماعي، وزخر تويتر بتغريدات سخيفة وبهاشتاج “#اللاجئات_الأوكرانيات” خلال ساعة فقط، ليحمل الكثير من كلمات تدل على سفاهة كاتبها، وذلك تعقيباً على بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا. منشورات لا تَمُتّ للسياسة بصلة، ولا للعلم والتحليل، ولا للاقتصاد أو الزوايا الإنسانية، وإنما فقط غمز ولمز وسخرية من قبل شباب عربي يقول: “اللاجئات الأوكرانيات مرحب بهن في بيوتنا وأحضاننا”، “أهلاً باللاجئات في بيوتنا”، وكأن الشعب العربي لوهلةٍ نسي أهواله، ونسي كيف مرت السنوات الأخيرة على البلاد العربية كلياً، ونسي كيف أن الواحد منا كان يتمنى أن يخلع جلده ليغطي سيدة وبناتها تستنجد على باب خيمة من البرد والخوف.
منشورات معيبة، فيها الكثير من الضحك والمزاح على الضحايا دون مراعاة مشاعر الناس أولاً، وحتى مشاعر نساء بلدك ثانياً، هؤلاء اللواتي يقرأن تعليقات أزواجهن وأبنائهن على صور النساء الغربيات لمجرد أنهن شقراوات، جميلات في عيونهم. ولو أن هؤلاء النسوة لسن شقراوات مثلاً، وبعيون ملونة، فإننا لن نسمع صوتك! أرأيتَ كيف تتعامل بتلك السذاجة مع الأحداث؟
فكيف تنسى أن الحروب لا تأكل إلا المدنيين؟ هؤلاء الذين سيحملون قلوبهم وبعض حقائبهم وما فيها من قليل، وليست من أخلاقنا وضمائرنا تحويل الضحايا إلى نكات، وتحويل صور اللاجئات إلى مادة نشر لجمع اللايكات مع عبارات مفادها جنسي واستغلالي قميء. كيف يقول البعض هذا، ويمزح بتلك السخافة ونحن لم نُشفَ بعدُ من صراخ السوريات واليمنيات ولا حتى الفلسطينيات، حتى الآن؟
ويكفيك أن تبحث على الإنترنت عن أصغر مجزرة في فلسطين مثلاً أو في أي مكانٍ من العالم أردت، لترى كيف يتم اغتصاب المهجرات وقتلهن، وكيف لا تُراعى إنسانية في سفك دم أو انتهاك عرض.
وأزيدك من الشعر بيتاً، أن في أوكرانيا وحدها الآلاف من العرب الذين ذهبوا إلى هناك لاجئين، يبحثون عن الأمن الذي انعدم في بلادنا، أو يطلبون العلم بعدما استعصى علينا هنا بسبب فساد منظوماتنا. ثم أنت اليوم، فوق الذي هم فيه، تنتظر قدومهم أو تسخر من الحرب التي فوق رؤوسهم، والرعب الذي بداخل قلوبهم، لتلقي فقط بنكاتك المبتذلة. فضلاً على ما سينعكس على بلادنا من آثار تلك الحرب، جوعاً إن لم يكن أكثر من الجوع وغلاء أسعار الغذاء والوقود.
فأرى أن تنأى بنفسك عن إخراج قذارتك الذكورية، حتى ولو بالمزاح في التعليقات والمنشورات، فنحن ليس لنا فيها ناقة ولا جمل، ولا تكن عبداً للتريند. فإن هذا الكلام ليس من أخلاقنا أو ديننا، وليس فيه من المروءة في شيء.
وإنه من المخزي أن نجد شبابنا لديهم هذا “الجوع الجنسي” الذي يدفعهم إلى أن يتابعوا الحرب من زاوية يعلمونها جيداً، بعيداً عن الزوايا التي يتابع منها جميع الناس عادةً، سياسياً أو اقتصادياً أو إنسانياً، أما هؤلاء فإنهم يتابعونها كوميدياً، من جانب رخيص جداً، وهو النظرة الجنسية!
العربي بوست