تواجه النرويج معضلةً في انتخابات يوم الإثنين تتعلَّق بكيفية التوفيق بين الارتباط بالسيارات الكهربائية والوعي البيئي مع الحاجة إلى فصل اقتصاد الدولة الغنية بالنفط عن مصدر ثروتها الرئيسي. تصدَّر التغيّر المناخي صميم الحملة الانتخابية جراء إصدار التقرير التاريخي، المدعوم من الأمم المتحدة، الذي حثَّ على اتخاذ تدابير صارمة لإنهاء انبعاثات الكربون. لكن من الواضح أيضاً أنَّ أكبر حزبين في البلاد ما يزالان يدافعان عن الصناعة المرتبطة بالوقود الأحفوري، التي تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار.
حتى إنْ أطاح حزب العمل المعارض بحكومة المحافظين، كما تشير استطلاعات الرأي؛ لكن الواقع يُظهر صعوبة حدوث تغيير في سياسة النفط والغاز، إلا إذا حصلت الأحزاب الصغيرة على دعم كافٍ لتصبح طرفاً سياسياً مؤثِّراً.
يتمتَّع اليسار الاشتراكي، صاحب الخبرة في الحكم من خلال حزب العمل، بدعم أكبر من حزب الخضر. وسيطالب كلاهما بوقف تراخيص التنقيب الجديدة، وجعلها شرطاً للانضمام إلى أي ائتلاف حاكم.في الوقت نفسه، تعدُّ النرويج اختباراً سياسياً رئيسياً قبل بدء محادثات المناخ المهمة المقررة في 31 أكتوبر بمدينة غلاسكو، لأنَّها ستختبر رغبة الناخبين في التغيير الحقيقي. يحب النرويجيون سيارات “تسلا” التي يملكونها، ولكنَّهم يستطيعون تحمُّل تكاليفها بسبب الثراء النفطي للدولة الاسكندنافية الصغيرة، التي أنشأت صندوق ثروة سيادي بقيمة 1.4 تريليون دولار. لم يتم تنويع الاقتصاد بما يكفي لتلبية التضحيات اللازمة بشأن المناخ.
قمنا هنا بتصنيف سيناريوهات التحالف الأكثر احتمالاً، وتحدثنا إلى الخبراء لتوضيح ما يُمكن أن يعنيه ذلك بالنسبة للسياسة الخضراء.
حزب العمل: نهاية التنقيب عن النفط على طاولة المفاوضات
من المتوقَّع أن يطرد حزب العمل، برئاسة المليونير جوناس غار ستور، رئيسة الوزراء إرنا سولبرغ، المعروفة بكونها الصديقة السياسية لأنجيلا ميركل، من منصبها بعد فترتين في السلطة. لكنَّ حزب العمل يتقدَّم بنسبة 3% على حزب سولبرغ، وفقاً لـ “بول أوف بولز دوت نو”Pollofpolls.no، المتخصصة في تجميع استطلاعات الرأي المطروحة من قبل العديد من جهات إجراء الاستطلاعات. من هذا المنطلق، ستحدث التحالفات فرقاً. أجرى ستور، البالغ من العمر 61 عاماً، حملة لعكس التخفيضات الضريبية، وذلك لأجل تمويل المزيد من الرفاه للأفراد “العاديين”، والسياسة المناخية “العادلة”. يعترف ستور أنَّ عصر النفط سينتهي قريباً، لكنَّه يعارض إنهاء التنقيب عن النفط. يتعلَّق طريق اليسار الاشتراكي الوحيد للوصول إلى السلطة بتقديم تنازلات من قبل ستور، ويسير الحزب حالياً على الطريق الصحيح لتحقيق أقوى نتائج له في عقدين على الأقل.
يدعم الوسط صناعة النفط، في حين قال حزب اليسار الاشتراكي، إنَّ التغييرات الجذرية “واقعية”.يرى ويل هاريس، كبير محللي الصناعة في بلومبرغ إنتليجينس، إنَّ “قطاع النفط سيظل أساسياً في النرويج لسنوات عديدة، ولا نتوقَّع قيوداً على التطوير أو الاستكشاف. لكن ما تزال القيود الجديدة تمثِّل إقراراً بأنَّ نمو النفط غير المحدودو لا يتوافق مع أهداف المناخ”.
التحالف بقيادة العمل: ستصبح النرويج محايدة للكربون بحلول 2035
إذا أجبرت الحسابات البرلمانية حزب العمل على الدخول في ائتلاف أوسع، فيتعيّن عليهم التودد إلى حزب الحمر الشيوعي وحزب الخضر، المعارضين للاكتشافات الجديدة، والحاصلين على نسبة 5% من علامة الاقتراع. أصبح وصول النرويج إلى حياد الكربون بحلول 2035 قابلاً للتطبيق بشكل مفاجئ.برغم ذلك، تشير التحذيرات إلى أنَّ الانتخابات الأخيرة أظهرت تلاشي التأييد للقضية الخضراء بسبب التخوُّف من إضرار انتهاء النفط بمستويات معيشة المواطنين. كما يبدو هذا التحالف غير مستقر للغاية بعدما استبعد ستور التعاون مع حزب الخضر، وأعرب عن استيائه من فكرة اتفاقية دعم مع حزب الحمر.
مفاجأة سولبرغ: فوز كبير لقطاع النفط
لا تستبعد فوز المحافظين. ففي انتخابات عام 2017، جاءت سولبرغ من الخلف لتحسمها لصالحها، وساعدها في ذلك الإنفاق القياسي من صندوق الثروة السيادي، الأكبر في العالم، لتنجو أيضاً بعد ذلك من الوباء بشكل أفضل من كثيرين. انتعش الاقتصاد سريعاً بعد قيام “نورديا بنك” (Nordea Bank) برفع توقُّعات النمو لعام 2021 إلى 3.9% في البر الرئيس النرويجي، في أسرع وتيرة له منذ عام 2007.
رحب بعض خبراء البيئة باقتراح سولبرغ الشهر الماضي بتغيير طريقة فرض النرويج للضرائب على الشركات التي تستخرج النفط من الحقول الواقعة قبالة سواحلها، وهي خطوة قد تشدِّد الطلب على شركات النفط، وتقلل من مخاطر الخسائر بالنسبة لدافعي الضرائب. أنيكين هوغلي، رئيسة لوبي النفط النرويجي، ووزيرة المحافظين السابقة: “من المعروف أنَّه سيكون لصعود عدد من القوى الحالية عواقب سلبية كبيرة على النرويج، وليس على الصناعة فقط. سيؤدي ذلك إلى إضعاف قدرتنا على الوفاء بالتزاماتنا المتعلِّقة بالمناخ، وسيساهم أيضاً في التحوُّل الذي نحتاجه بشدَّة. يعتقد بعضهم أنَّه من الممكن فصل صناعة النفط والغاز عن التحوُّل الأخضر، ولكنَّني أعتقد أنَّ هذه سذاجة لا حدَّ لها”.