سواءً كانت الصورة النمطية المنتشرة عن السويد تضخيماً للإيجابيات والسلبيات، أم قصصاً مختلقةً بشكل كامل، فإنها لا تخدم هدف حوار الثقافات والشعوب، وفي هذا المقال نقدم لكم أكثر الشائعات التي يتم تداولها باعتبارها حقائق.
بلاد الاكتئاب والانتحار
واحدة من أكثر الشائعات المتداولة عن السويد في البلاد العربية، والتي ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بانتشارها بشكل واسع في السنوات الأخيرة هي ارتفاع نسبة الاكتئاب والانتحار بين السويديين بسبب طول فصل الشتاء، وغياب الشمس في بلادهم، سنؤجل الحديث عن موضوع الشمس وفصل الشتاء للفقرة الثانية، ونكتفي هنا بالرد على قضية الانتحار.
فالقول بأن السويد تعاني من نسبة اكتئاب وانتحار عالية قول غير صحيح! أحد الأسباب الرئيسية لانتشار هذه الشائعة هو أحد الخطب التي ألقاها الرئيس الأمريكي السابق دوايت أيزنهاور عام ١٩٦٠ وزعم فيها أن السويد لديها أعلى معدل انتحار في العالم، وذلك لأسباب أيديلوجية. وقد اعترف أيزنهاور لاحقًا بخطأءه ولكن ذلك لم يساعد في تقليص الضرر الذي فعله بسمعة السويد.
ومن المعروف أنه من الصعب قياس ومقارنة أمراض مثل الاكتئاب ووكذلك معدلات الانتحار لأن بعض الدول أفضل في توثيق الأمراض العقلية أكثر من غيرها ولأن الكثير من الناس قد يعانون من الاكتئاب دون تشخيص، إضافة إلي ضعف البيانات الخاصة بالانتحار والإقدام عليه ونوعية هذه البيانات. فلا يوجد سوى ٦٠دولة فقط من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة لديها بيانات جيدة يمكن استخدامها لتقدير معدلات الانتحار وذلك نظرا لحساسية الانتحار – وعدم شرعية السلوك الانتحاري في بعض البلدان لذلك لا يتم تسجيلها كانتحار في أغلب الأحيان.
وحسب احصائات منظمة الصحة العالمية لعام ٢٠١٦ يبلغ معدل الانتحار في السويد ١٤,٨حالة انتحار لكل مائة ألف شخص أقل بقليل من المتوسط الأوروبي والذي يبلغ ١٥,٤ لكل مائة ألف شخص وتحتل بذلك المركز رقم ٥١ بين ١٨٣ دولة.
هذا إلي جانب أن السويد غالباً ما تكون من ضمن الدول العشر الأوائل في تقرير السعادة العالمي هو مقياس للسعادة تنشره شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة وكذلك في عام ٢٠١٩ احتلت السويد المرتبة السابعة بين ١٥٦ دولة.
ظلام دامس طوال العام
واحدة من الشائعات واسعة الانتشار أيضاً أن السويد مظلمة وباردة طوال العام، في حين تحصر بعض تلك المعلومات الخاطئة المتداولة عربياً الظلام الدامس والبرد الشديد طوال العام بمدينة كيرونا في أقصى الشمال.
والحقيقة هي أن درجات الحرارة ونور الشمس يختلفان كثيراً تبعاً لفصول السنة وموقعك في شمال، وسط، أو جنوب السويد. وإذا كان من الصحيح القول أن متوسط درجات الحرارة في مدينة كيرونا على حدود القطب الشمالي تبلغ 16 درجة مئوية تحت الصفر خلال شهر يناير (كانون الثاني)، فإنها تصل إلى أكثر من 30 درجة مئوية خلال شهر يوليو (تموز) في مقاطعة سكونة جنوباً.
ومرة أخرى فمن الصحيح القول إن بعض مناطق أقصى شمال السويد مثل أوميو وكيرونا لا ترى النور أبداً لأكثر من شهر في فصل الشتاء، إلا أنها أيضاً تشهد صيفاً ما يطلق عليه علمياً اسم (شمس منتصف الليل) حيث تبقى الشمس مشرقة في كبد السماء حتى في الليل.
الصورة: Anders Tedeholm/imagebank.sweden.se
تتميز السويد بوضوح فصلي الشتاء والصيف فيها، وفصلان أقل وضوحاً هما الربيع والخريف، حيث تختفي الشمس في فصل الشتاء، وتكاد لا تغيب عن سمائها في فصل الصيف.
أرض الخطيئة
ينظر البعض إلى السويد باعتبارها بلداً بمجتمع منحل من أي قيود أخلاقية، في وقت تضع فيه القوانين السويدية ضوابط اجتماعية صارمة مقارنة بغيرها من المجتمعات، فعلى سبيل المثال يحرم القانون السويدي شراء الجنس من بائعات الهوى تحت طائلة العقوبة التي تصل إلى حد الحبس. كما أن شرب الكحول في الأماكن العامة كالحدائق ومواقف القطارات والباصات ممنوع. وينطبق الأمر من حيث الجرم القانوني على أي فعل فاضح كممارسة الجنس في مكان عام. أما بيع المشروبات الكحولية عادة يتم في منافذ بيع محددة لا تسمح ببيع من هم تحت سن الـ18. وتفرض ضرائب عالية على المشروبات الكحولية كلما ارتفعت نسبة الكحول فيها. وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن السويد هي إحدى أفضل الدول حول العالم لتنشئة الأطفال حسب منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة يونيسف . كما يمكن قراءة مادة المعهد السويدي عن حقوق الطفل في السويد باللغة العربية بالنقر هنا</.
6 ساعات عمل
الشائعات ليست دوماً ذات منحى سلبي بل تحمل أحياناً شكلاًَ إيجابياً نحاول اللحاق به، وإحدى الشائعات التي انتشرت في السنوات الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعاد نشرها على فترات متقطعة هي أن ساعات العمل الرسمية في السويد أصبحت 6 ساعات عمل يومياً فقط.
ورغم أن البرلمان السويدي درس هذه الإمكانية في العام 2015 بشكل جدي، إلا أن ذلك لم يتحول إلى قانون ومازالت ساعات العمل الرسمية في السويد 8 ساعات. رغم أن بعض البلديات والشركات قامت بتقليص ساعات العمل فعلاً إلى 6 ساعات.
بلاد الشقراوات
قد تكون واحدة من أكثر الصور النمطية إرباكاً للسويديين، هي أن يقرن ذكر جنسيتهم بالشقراوات الحسان، طويلات القامة، ذوات العيون الملونة خضراءً وزرقاء. ستجد السويديين كما كل شعوب العالم يتفقون معك في جزئية جمال نساء بلادهم، أما موضوع لون البشرة والشعر والعيون في بلد 24% من سكانه من أصول مهاجرة، ومن أعراق وأجناس مخلطة فهو ليس تماماً ما يفكرون فيه، أو يتوقعون منك أن تربطه عند الحديث عن بلادهم.
خالية من السجون
من الشائعات التي لا تمت للواقع بصلة، والتي تحاول أن تضع السويد في منزلة مدينة أفلاطون الفاضلة، هي الحديث عن أن السويد بعد أن قضت على جميع أشكال الجريمة، أغلقت جميع السجون على أراضيها. وهذه أيضاً إشاعة خاطئة جداً، فعدد السجون في السويد اليوم هو 45 سجناً، تتراوح مدة الحكم الفعلي بالسجن في السويد بين 14 يوماً، ومدى الحياة، كما ينال المحكومون في بعض الحالات إفراجاً مشروطاً، أو يستعاض عن مدة الحبس في السجن بحبس منزلي تقيد فيها حركة المحكوم بمسافة معينة يحددها القاضي.
الصورة: Ulf Lundin/imagebank.sweden.se
إذا كنت تعتقد أن السويد هي بلاد الشقر فقط، فقد آن الأوان لتغيير نظرتك، باعتبارها واحدة من بلاد اللجوء والهجرة تسكن السويد اليوم أعراقاً وطوائف متنوعة من مختلف أنحاء العالم، وكنتيجة لذلك فإن الأرقام الحكومية تشير إلى أن هناك أكثر من مئة لغة محكية مستخدمة في السويد.
السويديون لا يتحدثون الإنجليزية
وذلك ليس كل شيء، فرغم الإشاعات التي تتحدث عن أن السويديين لا يتحدثون اللغة الإنجليزية لأسباب تتعلق بجهلهم باللغة، أو تعصبهم لها، فإن التقديرات الرسمية تشير إلى أن نحو 80% من سكان السويد يتكلمون اللغة الانجليزية كلغة ثانية أو حتى أولى للبعض. ويكفي أن تشير لمحدثك ببعض الكلمات الإنجليزية إلى أنك تفضل الحديث بالانجليزية عوضاً عن اللغة السويدية، حتى يقوم بكل مودة بتغيير لغة المحادثة إلى الإنجليزية.
رغم أهمية تعلم اللغة السويدية للحصول على عمل، إلا أن كثيراً من الشركات السويدية خصوصاً تلك التي لها امتدادات عالمية تستخدم اللغة الإنجليزية لغة رسمية لها. سيكون التواصل للناطقين باللغة الإنجليزية من القادمين حديثاً إلى السويد، إلى درجة ننصح فيها الجميع أن لا يؤدي ذلك إلى إفتار عزيمتكم عن تعلم اللغة السويدية، فهي نهاية الأمر اللغة الرسمية التي سيؤدي تعلمها إلى فتح الكثير من الأبواب الاجتماعية والعملية أمامكم.
السفر على نفقة الحكومة
إحدى الشائعات التي انتشرت في السنوات الأخيرة تحدثت عن أن الحكومة السويدية تقدم تذكرة الطائرة، ومصاريف السفر المدفوعة لمدة شهر لأي مواطن مصاب بالإرهاق أو الإكتئاب. وهو طبعاً أمر غير صحيح، فالمواطن السويدي لديه سنوياً عطلة ٢٥ يوماً مدفوعة الأجر، عدا أيام العطلة الرسمية.
البطالة أفضل
تأمين البطالة الذي يتقاضاه العاطلون عن العمل أفضل من رواتب الموظفين، وهو أمر لا يستوعبه أي منطق إلا إن أردنا القول إن الحكومة السويدية تبذل قصارى جهدها لتشجيع الناس على التوقف عن العمل.
والحقيقة هي أن تأمين البطالة لا يؤمن أكثر من حياة الكفاف لهم، والهدف منها مساعدة العاطلين عن العمل على تأمين متطلبات حياتهم الأساسية خلال رحلة البحث عن عمل جديد.
الصورة: Lena Granefelt/imagebank.sweden.se
تمتلك السويد واحدة من أدنى نسب البطالة بالمعايير العالمية، وتعمل الحكومة باستمرار على خلق فرص عمل جديدة ومكافحة البطالة.
لا يوجد طعام حلال أو مساجد
نحو ١٢% من المطاعم المسجلة في السويد حتى نهاية العام ٢٠١٧، هي مطاعم تقدم الأكل العربي أو الشرقي التي تضمن بمعظمها في قوائم الأطعمة الوجبات (الحلال)، كما أن محلات البقالة الشرقية منتشرة هي الأخرى في معظم المناطق والمدن السويدية، والتي يقوم قسم كبير منها ببيع اللحوم والأغذية المطبوع على غلافها عبارة (حلال). أما المساجد فهي الأخرى منتشرة في مختلف مناطق التجمعات الإسلامية الكبرى في السويد ويمكن مراجعة مادة رمضان في السويد علي موقعنا.
احذروا الاغتصاب
انتشرت في الآونة الأخيرة على صفحات المواقع والصحافة العربية تقارير تتحدث عن احتلال السويد مرتبة متقدمة (الرابعة) على مستوى العالم في معدلات جرائم الاغتصاب، وأن تعرض الرجال للاغتصاب هو الآخر ارتفع بنسبة تصل إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه تلك النسبة قبل عشرة أعوام.
في البداية من المفيد أن نعلم أن تعريف فعل الاغتصاب في القانون السويدي أدخلت عليه عدة تعديلات في السنوات الأخيرة ليصبح أكثر تشدداً، حتى أن تعديلاً جديداً أدخل في العام ٢٠١٨ يعتبر ممارسة الجنس مع الشريك دون موافقة واضحة اغتصاباً حتى، وإن كان هذا الشريك زوجتك أو زوجك.
أما النقطة الأساسية التي تجب الإشارة إليها هنا في هذه النسب التي يتم تداولها هي أن هذه النسب ذات معيار مزدوج ففي حين هي الأقرب إلى الواقع عندما يتعلق الأمر بمجتمعات منفتحة تتعامل مع ضحايا الاغتصاب بتعاطف، وتعمل على تقديم كل الدعم الممكن لضحاياه، وبين مجتمعات منغلقة تتعامل مع فعل الاغتصاب بتكتم خوفاً من “الفضيحة” على سبيل المثال، فلا يتم الإبلاغ عن معظم هذه الحالات.