خرجت النرويج من نادي المصارف المركزية الأوروبية التي تتبنى منذ بضع سنوات نظرة سياسية مالية توسعية، وذلك برفع نسبة الفوائد، أي تكلفة المال، للمرة الثالثة على التوالي، لترسو الآن عند مستوى 1.25 في المائة، معتنقة بالتالي سياسة مالية متشددة تنطوي على احتمال المضي قدماً في زيادة نسب الفوائد بصورة مبرمجة.
ويقول الخبير المصرفي الألماني، ماكسيميليان روب، إن سبب إعادة رفع نسب الفوائد يعود إلى الثقة بمسار الاقتصاد الوطني. وعلى صعيد النرويج، فإن اقتصادها يبقى صلباً رغم وجود شكوك خارجية حول تباطؤ اقتصاديات الدول الصناعية الرئيسية، ومن ضمنها ألمانيا، مما ينعكس سلباً على مسار أسعار النفط العالمية.
ويضيف الخبير الألماني أن النرويج قد ترفع نسب الفوائد إلى 1.5 في المائة لغاية شهر سبتمبر (أيلول) المقبل. ويأتي قرار المصرف المركزي النرويجي زيادة نسب الفوائد تزامناً مع تحركات دفاعية لأبرز المصارف المركزية حول العالم.
فالاحتياطي الفيدرالي الأميركي لا يستبعد خفض نسب الفوائد إلى حد أبعد، في حين قد يلجأ المركزي الأوروبي إلى التمسُّك ثانية بسياسة إغراق الأسواق المالية الأوروبية بكميات ضخمة من السيولة المالية، تماماً كما حصل في السابق، لتحفيز النمو الاقتصادي الأوروبي المترنّح. أما المصرف المركزي البريطاني فلم يتلاعب بنسب الفوائد لديه خوفاً من مستقبل البلاد المجهول. وبدوره، يُبقي «المصرف المركزي الألماني» على نسب الفوائد السلبية.
ويختم روب بالقول: «يُعتبر المصرف المركزي النرويجي الذي يعرف باسم (نورغس بنك) سوية مع نظيره التشيكي من بين المصارف الأوروبية التي تتبع سياسية مالية تقييدية، علماً بأن (المصرف المركزي التشيكي) رفع نسب الفوائد لديه إلى 2 في المائة في شهر مايو (أيار) من عام 2019. كما تتعارض نسب الفوائد المركزية النرويجية مع نظيراتها في الدول الإسكندنافية، فهي ترسو حاليا في الدنمارك عند سالب 0.65 في المائة، وفي السويد عند سالب 0.25 في المائة. ومع أن النرويج هي أكبر مصدّرة للنفط في أوروبا الغربية، وتمتلك أكبر صندوق سيادي عالمي تصل قوته المالية الجبارة إلى تريليون دولار أميركي، إلا أن اقتصادها يتعلّق بشدة بالتجارة الخارجية، وبالتالي بالأوضاع الاقتصادية الأوروبية».
وفي سياق متصل، تشير الخبيرة كيارا سيلفستري من صندوق النقد الدولي إلى أن رفع نسب الفوائد متعلّق بمعادلة رياضية ذكية وجريئة؛ فمعدل البطالة المنخفض ورفع رواتب الموظفين سببان أساسيان لإنعاش التضخّم المالي مجدداً. وهذا ما لم يُسجل خلال العام الحالي في أي دولة أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا. كما شكّل هذان السببان عاملاً موحّداً جوهرياً أعطى الثقة للمصرف المركزي النرويجي في إعادة رفع نسب الفوائد.
ولتفادي زيادة التضخّم المالي على نحو خارج السيطرة، لا تستطيع حكومة أوسلو رفع نسب الفوائد أكثر من 0.25 في المائة في فترة زمنية تتراوح بين ثلاثة وستة شهور، وإلا فإن الأمر قد يمثل صدمة مالية قاسية على الأسر النرويجية. وتختم سيلفستري قائلة: «يلعب نمو الناتج القومي دوراً قيادياً في زيادة نسب الفوائد. صحيح أن الناتج القومي الأوروبي يتوقع أن يرسو العام الحالي عند مستوى 1.6 في المائة، لكن نظيره النرويجي سيرسو على ما بين 2 و2.4 في المائة، وهذا عامل إضافي يدعم رفع نسب الفوائد التي رست في النرويج على 0.6 في المائة عام 2016. وها هي اليوم تعادل 1.25 في المائة، أي أكثر من الضعف».
وتضيف: «علاوة على ذلك، لدى النرويج عملة وطنية مستقلّة، هي الكورونة النرويجية التي بقيت مستقرة في وجه اليورو والدولار معاً، مع أن حكومة أوسلو قررت رفع نسب الفوائد. ولا شك أن استقلالية النرويج لناحية العملة المتداول بها عن باقي دول الاتحاد الأوروبي كانت حليفاً في رفع نسب الفوائد، فالكورونة النرويجية تواكب صالح النرويج منذ زمن طويل على عكس اليورو، فرغم منافع الأخير المتعددة على دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن دولاً كما فرنسا وإيطاليا تشهد انقسامات سياسية داخلية حول مواصلة اعتناقه أو لا».