قد تبدو التقارير الأخيرة بشأن المناخ العالمي مثيرة للقلق، إذ ذكر بحث نُشر في دورية “ساينس” أن درجة حرارة المحيطات ترتفع بوتيرة أسرع بنسبة 40 في المئة مقارنة بالتقديرات السابقة.
وحذر الفريق الحكومي المعني بتغير المناخ في تقريره الصادر في نهاية العام الماضي من أن ارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي إلى حدوث فيضانات وموجات جفاف ونقص الغذاء وحرائق الغابات بحلول عام 2024، ما لم تتخذ إجراءات ثورية.
وبينما لا يزال الطريق أمام المجتمع الدولي طويلا لمواجهة تبعات تغير المناخ، فإن بعض الدول حظيت بإشادة عالمية بسبب إسهاماتها الإيجابية في الحفاظ على كوكب الأرض، وفقا لمؤشر الدول الجيدة، الذي وضعة سايمون أنهولت، المستشار السياسي المستقل، لتقييم تأثير سياسات وممارسات كل دولة على البشرية وكوكب الأرض، مثل تأثير كل دولة على البيئة قياسا بحجم النمو الاقتصادي ومدى اعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة.
وقد تحدثنا إلى بعض سكان أكثر الدول حفاظا على البيئة، وسألناهم عن طبيعة الحياة في بلد يُسهم أكثر من غيره في الحفاظ على كوكب الأرض
النرويج
تصدرت النرويج قائمة الدول التي تتبنى أفضل الممارسات للحفاظ على كوكب الأرض والمناخ، وذلك تتويجا لجهودها ودورها الريادي في مجال الحفاظ على البيئة. إذ سُجلت في النرويج أعلى نسبة تملك للسيارات الكهربائية في العالم وتعهدت الحكومة بالقضاء تماما على انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة بحلول عام 2030
لكن العلاقة الوثيقة التي تربط سكانها بالطبيعة تتجاوز حدود السياسات، إذ يدرك النرويجيون أهمية “الحياة في الهواء الطلق” وفوائد ذلك على الصحة والسعادة.
ويقول أكسيل بنتسين، مؤسس شركة “أيربان شيرينغ” التي تدير برنامج استعارة الدراجات بمدينة أوسلو: “يعد الخروج في الهواء الطلق جزءا متأصلا في ثقافتنا وقد يرقى لدى البعض إلى مرتبة الطقوس الدينية. فنحن نخرج إلى الطبيعة ونستمع بها مهما ساءت الأحوال الجوية. ولا توجد مدينة في العالم غير أوسلو تجتاز فيها المواصلات العامة الغابات لتتيح لك الفرصة للتجول في جنباتها قبل الذهاب إلى العمل أو بعده”.
وقد نالت العاصمة النرويجية أوسلو لقب عاصمة أوروبا الخضراء لعام 2019، تقديرا لجهودها في الحفاظ على مجاريها المائية وتطويرها، والاستثمار في برامج وطرق الدراجات والنقل العام ومشروعاتها المبتكرة لمكافحة التغير المناخي، بتحويل انبعاثات الكربون إلى شيء مادي يمكن قياسه. كما عملت البلدية على إخلاء قلب المدينة من السيارات.
ويقول بينتسين: “أزالت البلدية جميع المساحات المخصصة لانتظار السيارات من المدينة منذ بداية العام الماضي، لتوفير مساحة أكبر للدراجات والمارة”.
وبالرغم من أن النرويج تولّد 99 في المئة من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية من الموارد المائية، إلا أنها لا تزال من كبريات الدول المصدرة والمنتجة للنفط، وقد أثار هذا الأمر جدلا واسعا في الأوساط السياسية.
يقول ديفيد نيكل، مغترب بريطاني يعيش في النرويج منذ عام 2011: “يرى الكثيرون أن الأرباح التي يدرّها استخراج النفط والغاز وتصديرهما على البلاد تستخدم في تمويل المشروعات البيئية التي تفيد العالم، وقد تلهم المدن والبلدان الأخرى لتحذو حذوها. بينما يرى أخرون أن النرويج، بتصديرها للنفط، تكيل بمكيالين”.
البرتغال
حلت البرتغال في المرتبة الثالثة على قائمة الدول التي تتبنى أفضل الممارسات للمحافظة على كوكب الأرض، إذ كانت البرتغال من أوائل البلدان التي تستثمر في تطوير شبكة متكاملة من محطات شحن السيارات الكهربائية، التي كانت حتى وقت قريب بالمجان. وقدمت الحكومة حزمة حوافز وتسهيلات للمواطنين المستثمرين في مجال توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، وفتحت لهم الأبواب لبيع الكهرباء المتولدة من المصادر المتجددة لشبكة توزيع الكهرباء.
تقول ماريانا ماغاليس، مديرة اتصالات برتغالية الأصل تعيش في المملكة المتحدة: “يمتلك معظم جيراني ألواحا شمسية أو مضخات لمعالجة مياه الأمطار لاستخدامها في ري النباتات وغسيل الملابس وسقاية الحيوانات الأليفة”، وتضيف أنها فوجئت بأن أعداد السيارات الكهربائية في لندن أقل من أعدادها في أصغر القرى بالبرتغال.
وتنتشر في كل منطقة في البرتغال سلال مخصصة لإعادة التدوير وإنتاج السماد العضوي من مخلفات الأطعمة. كما لعب التعليم دورا رئيسيا في تشجيع البرتغاليين على الحفاظ على البيئة. وتقول ماغاليس: “كثيرا ما كنا ندرس أهمية البيئة في المرحلة الثانوية، ونتلقى دروسنا في المتنزهات العامة لغرس حب البيئة في نفوسنا”.
وظلت البرتغال تعتمد على الزراعة لسنوات طويلة مستفيدة من وفرة مواردها الطبيعية، من مياه ورياح. وتقول ماغاليس: “تكثر في البرتغال توربينات الرياح والسدود لتوليد الطاقة الكهربائية”. وتقول جوانا ميندس، مديرة أحد المنتجعات جنوبي البرتغال: “اتجهت البلاد نحو توليد الطاقة من المصادر المتجددة لأنها أقل سعرا من مصادر الطاقة البديلة”.
وبالرغم من أن الدراجات أقل انتشارا في العاصمة لشبونة منها في سائر العواصم الأوروبية، بسبب أراضيها شديدة الانحدار، إلا أن دراجات “السكوتر” الكهربائية لاقت رواجا كبيرا بين سكان لشبونة الذين يستأجرونها بوصفها وسيلة للتنقل صديقة البيئة.
أوروغواي
تتبنى أوروغواي سياسات اجتماعية وبيئية أهلتها لتأتي في صدارة دول أمريكا الجنوبية في مؤشر الدول التي تسهم في الحفاظ على كوكب الأرض والمناخ. وقد أصبحت أوروغواي من البلدان الرائدة في مجال توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، لا لانعدام مصادر الطاقة البديلة فحسب ولكن أيضا للحفاظ على البيئة.
تقول لولا مينديز، المدونة التي تنحدر من أوروغواي وتعيش في الولايات المتحدة: “كانت أوروغواي تنفق مبالغ طائلة على استيراد النفط، لأنها لا تمتلك أي احتياطي نفطي. وعلى مدى أقل من عقد من الزمان، استطاعت أوروغواي أن تستعيض عن الوقود الأحفوري بالطاقة النظيفة”. واليوم تولد أوروغواي نحو 95 في المئة من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة، ويأتي أكثرها من محطات الطاقة الكهرومائية.
وبخلاف المزايا الاقتصادية للاعتماد على الطاقة المتجددة، تربط السكان بالأرض روابط قوية توطدت على مدى قرون. وتقول مينديز: “كانت القبائل والرعاة في أروغواي يعتمدون على ما تجود به أراضيها من خيرات، وهذا ما ساعدهم على الازدهار”.
وتعمل أغلب وسائل النقل العام في معظم المدن الكبرى بالكهرباء، وتعتزم أوروغواي تشغيل مطار كاراسكو الدولي بالعاصمة مونتيفيدو بالكامل بالطاقة الشمسية، ليكون أول مطار في أمريكا اللاتينية يضم محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية.
كينيا
وضعت الحكومة الكينية خطة لمكافحة تغير المناخ، في إطار جهودها الرامية لحماية نشاطها الزراعي الذي يمثل أهم روافد الاقتصاد، بعد تزايد ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة وتواتر موجات الجفاف وغيرها من تداعيات تغير المناخ التي عانت منها البلاد في السنوات الأخيرة. وتتضمن أهداف الخطة الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2030.
كما فرضت السلطات الكينية حظرا على استخدام الأكياس البلاستيكية لحماية مجاريها المائية والبيئة، ووصف هذا الحظر بأنه الأكثر صرامة في العالم، إذ يعرّض من يحمل كيسا بلاستيكيا (سواء كان سائحا أو مواطنا) للسجن أو الغرامة المالية الباهظة. وبفضل هذه الخطة وهذا الحظر، احتلت كينيا المركز 26 بين الدول التي تتبنى أفضل الممارسات في الحفاظ على كوكب الأرض والمناخ.
لكن حماية البيئة لا تتطلب دائما تدخلا حكوميا. يقول فاي كويفاس، نائب رئيس الصندوق الدولي لرعاية الحيوانات، الذي ينحدر من أمريكا ويعيش في نايروبي: “تطبق المجتمعات الكينية قواعد وأنظمة فعالة لحماية البيئة يتوارثونها جيلا بعد جيل، وقد نجحت هذه المجتمعات بفضل أنظمتها التقليدية في الحفاظ على غابات عديدة في كينيا، مثل غابة لويتا التي تديرها قبيلة الماساي، وهي مجموعة عرقية تعيش في جنوبي كينيا وشمالي تنزانيا، ولا تزال هذه الغابة تمتاز بطبيعتها البكر”.
ويقدر شعب الماساي البيئة كتقديرهم للعائلة. يقول جون كامانغا، أحد أفراد قبيلة المساي، ومدير صندوق “سورالو” لحفظ أراضي وادي الصدع العظيم في كينيا: “عندما يلتقي أفراد القبيلة يتبادلون التحية بالسؤال عن البيئة أولا، من الأمطار والحشائش والماء، ثم يناقشون أحوال الماشية، وفي النهاية يستفسرون عن أفراد العائلة. ويديرون شؤون حياتهم بنفس الترتيب في الأولويات، إذ تتوقف سلامة الماشية على سلامة البيئة، وإن غابت الماشية لن يتمكنوا من كسب أقواتهم وإنجاب أطفال وسيفقدون تراثهم وعاداتهم”.
نيوزيلندا
احتلت نيوزيلندا المركز 39 عالميا والأول على مستوى دول منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ في مؤشر التأثير الإيجابي على كوكب الأرض والمناخ. وذلك لأن نيوزيلندا، التي يعتمد اقتصادها على الزراعة والسياحة، لا تتهاون في حماية مواردها الطبيعية.
ويقول بريندان لي، مدون نيوزيلندي: “اشتهرت نيوزيلندا بنظافتها ومروجها الخضراء، التي أصبحت جزءا من هويتنا. ويشعر النيوزيلنديون بالفخر عندما يشيد الزائرون بجمال الطبيعة النيوزيلندية”.
لكن نيوزيلندا صنفت من بين أعلى الدول في العالم من حيث نصيب الفرد من انبعاثات الكربون. ويرجع ذلك إلى ارتفاع نسبة انبعاثات الميثان من قطاع رعي الأغنام والماشية الضخم، وكذلك انبعاثات قطاع الطاقة الآخذ في النمو. وهذا ما دفع الدولة إلى تشكيل ائتلاف من أعضاء البرلمان المنتمين لأحزاب سياسية مختلفة، للقضاء تماما على الانبعاثات الضارة بحلول عام 2050.
وفي السنوات الأخيرة، تزايد اهتمام النيوزيلنديين بقضايا البيئة، مثل التلوث وتضاعف حجم النفايات، التي لم تكن من القضايا الأساسية التي تشغل اهتمام الشعب النيوزيلندي، إذ تعد نيوزلندا من الدول ذات الكثافة السكانية المنخفضة نسبيا.
ويقول لي: “قلما تجد في نيوزيلندا مكبات نفايات تمتلئ عن آخرها بالنفايات البلاستيكية أو ترى زجاجات بلاستيكية وأكياس بلاستيكية تعيق جريان المياه في الجداول، فهذه المشاكل لم تكن تخطر على بال الشعب النيوزيلندي”. لكن الأوضاع تغيرت الآن.
ويقول جيس تونكينغ، بريطاني يعيش في مدينة كوينزتاون بنيوزيلندا ويعمل في شركة “ساندرايد” للملابس: “حظرت نيوزيلندا استخدام الأكياس البلاستيكية في متاجر البيع بالتجزئة، ولا تجد في أي مكان مصاصات بلاستيكية، وانتشرت القوارير التي يمكن إعادة استخدامها. لقد صرت الآن أكثر اهتماما بالبيئة منذ انتقالي لنيوزيلندا. وأعيد تدوير كل شيء، وخفضت استهلاكي للمنتجات الحيوانية، وأرى أنني أعيش الآن نمط حياة أكثر استدامة”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future