حققت الديمقراطية حالة من الاستقرار ونجت من التراجع على مستوى العالم خلال العام الماضى 2018، وذلك وفقا لتقرير مؤشر الديمقراطية السنوي، الصادر عن وحدة المعلومات التابعة لمجلة «الإيكونوميست» البريطانية والذى تضمن 167 دولة حول العالم.
ويتناول المؤشر مراجعة تصنيف الدول المتضمنة وفقا لـ60 معيارا، وبمراجعة خمس قطاعات أساسية هى العملية الانتخابية، والتعددية السياسية، وفاعلية الحكومة، والمشاركة السياسية، والثقافة الديمقراطية، والحريات المدنية. ويعرف هذا المؤشر تحديدا بأنه الأكثر دقة بالمقارنة مع باقى المؤشرات المشابهة والتى تستخدم لقياس حالة الديمقراطية وتطورات أساليب الحكم حول العالم.
وانتهى مؤشر «الإيكونوميست» للديمقراطية إلى أن ما لا يزيد على 4٫5% من شعوب العالم يعيشون فى ظل أنظمة «ديمقراطية كاملة»، إلا أن تقديرات الممارسة الديمقراطية حول العالم سجلت بشكل عام استقرارا خلال عام 2018 وذلك لأول مرة منذ ثلاثة أعوام. فقد كشف المؤشر عن أن 42 دولة فقط شهدت تراجعا فى الأداء الديمقراطي، وذلك بالمقارنة مع 89 كانت قد سجلت ذلك التراجع في2017، ما يعنى تحسنا واضحا بالممارسة الديمقراطية فى 48 دولة.
ورغم هذه النتيجة الإيجابية، إلا أن المؤشر لم يتجاوز كون السنوات الأخيرة قد شهدت تنامى التهديدات التى واجهها مبدأ الحكم الديمقراطى حول العالم. فقد أشار تقرير «الإيكونوميست» إلى جانب من هذه التهديدات وأبرزها تصاعد التيارات الشعبوية والاستبدادية حتى أنها حققت انتصارات انتخابية فى دول مثل الفلبين والمكسيك والبرازيل، وكذلك حملات القمع التى تعرضت لها المؤسسات الداعمة للديمقراطية فى دول أخرى مثل تركيا وبولندا والمجر. ولكن فى المقابل، رصد المؤشر تناميا فى الوعى الشعبى والمشاركة السياسية من جانب الأفراد حول العالم.
وأوضح المؤشر أن تنامى المشاركة السياسية بات ظاهرة واضحة حتى فى الدول المتقدمة ديمقراطيا وذلك لأسباب مختلفة. وتم طرح الولايات المتحدة كمثال رئيسى على هذا التحول، حيث ساهمت حالة الاستقطاب السياسى خلال مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب والانقسام الحاد ما بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى فى حشد وتحفيز المواطنين على المشاركة السياسية والانتخابية. وكانت مشاركة الناخبين الأمريكيين خلال انتخابات التجديد النصفى بالكونجرس الأمريكى مطلع نوفمبر الماضى تعد الأعلى منذ أكثر من 100 عام.
وفى نتيجة متوقعة،
حافظت الدول الإسكندنافية على المراتب المتقدمة بين فئة»الديمقراطيات الكاملة»، فجاءت النرويج فى المرتبة الأولي، تليها أيسلندا والسويد ونيوزيلاندا، ثم الدنمارك فى المرتبة الخامسة بعد أن دفعت بكندا إلى المرتبة السادسة بين»الديمقراطيات الكاملة». وجاءت الولايات المتحدة فى الترتيب الخامس بين الدول التى تعانى مشكلات فى الحكم الديمقراطى وذلك بعد أن تقدمت عليها فى هذه الفئة السلبية كوريا الجنوبية واليابان وتشيلى وحتى إستوانيا.
وأكد المؤشر أن أجزاء من أوروبا تعانى بشكل عام مما تم وصفه بـ»الوعكة الديمقراطية»، بعد صعود التيار الشعبوى والقومى المتطرف إلى الحكم، كما جرى فى إيطاليا والتى تراجعت من المرتبة الـ 21 إلى الـ 33 فى قائمة الدول التى تعانى من مشكلات الحكم الديمقراطي. وتراجعت تركيا وفقا لمؤشر الديمقراطية للعام السادس على التوالي، بعد حيازة الرئيس رجب طيب أردوغان صلاحيات أكثر خلال العام الماضي. كما واصلت روسيا انتظامها فى التراجع للعام العاشر على التوالي. وذلك فى حين شهدت دول أفريقيا جنوب الصحراء وأسيا تحسنا واضحا فى الممارسة الديمقراطية، خاصة فيما يتعلق بزيادة الوعى والمشاركة السياسية من جانب الأفراد.
وحذر المؤشر فى ختام تقريره من أن استقرار الأوضاع الديمقراطية خلال العام المنصرم قد لا يكون نهاية تراجع الأحوال الديمقراطية دوليا، ولكن مجرد «وقفة» قد تشهد تدهورا خلال الفترة المقبلة، وإن كان تحقيق ذلك من عدمه يتوقف على عدد كبير من العوامل.