spot_img

ذات صلة

جمع

ضبط 11 كيلوغرامًا من الذهب النقي بقيمة تسعة ملايين كرونة.

قالت رئيسة القسم كييرستي براثن، التي عملت لمدة 38...

شركة القطار Flytoget في #أوسلو تقوم بإدراج العديد من شركات سيارات الأجرة في القائمة السوداء

إدراج خمس شركات لسيارات الأجرة في القائمة السوداء والنظر...

النرويج تحذر من قيام إسرائيل بعملية برية في رفح

حذّر وزير خارجية النرويج إسبن بارث إيدي، اليوم الثلاثاء،...

ببالغ الحزن والأسى، ننعى إليكم وفاة الشاب مُنير حمود

ببالغ الحزن والأسى، ننعى إليكم وفاة الشاب مُنير حمود الذي فارقنا...

“نحن مستهدفون”.. أكذوبة المؤامرة على الإسلام!

عادل أعياشيعادل أعياشي مدون مغربي

منذ أن عقلنا أنفسنا في هذا العالم ومقولة المؤامرة على الإسلام لا تكاد تُفارق مسامعَنا، “نحن مستهدفون”، “العالم الغربي يريد لنا الشر”، “الإسلامُ يُحارَبُ من قوى الغرب” وما إلى ذلك، رغم أن كل هذه الاتهامات تبقى باطلة ولا أساس لها من الصحة بالطريقة التي روّجها لنا علماء الدين والعارفون بخبايا الأمور كما يزعمون، وإذا عَددنا بُؤر التوتر التي يدفع فيها المسلمون من أرواحهم ودمائهم الثّمنَ الباهظ، نجد أن المسلمين في سوريا مثلاً هم الذين يقتتلون فيما بينهم، في اليمن يُحاربُ المسلمُ أخاه المسلم، في العراق يفجّر المسلم أخاه المسلم، في أفغانستان وباكستان والهند نفس الأمر، في نيجريا والصومال والسودان أيضا نجد المسلم الموحد هو من يُزهقُ روح أخيه، وهلمّ جرّا.

وبالتالي فإن المسلمين يَلقونَ من القتلِ والاضطهاد والتنكيل من إخوانهم ما لا يَلقونهُ من باقي الأعداء المُفترضين، من هنا فإن القول بمؤامرةٍ تُحاك ضد الإسلام والمسلمين ليس إلا هروباً من الحقيقة المُرة التي نعيشها، والأخطر من ذلك أن الأمة العربية تعرّضت في هذا الأمر تحديداً إلى ما يشبهُ التّخدير الكلي، ولعل حكامها قد اتخذوها ذريعةً لاتّهام الغرب بالمسؤولية الكاملة في كل مرّة يفشلون فيها فشلاً ذريعاً في إقامة مشروعٍ قائمٍ بذاته أو يسْعَونَ لبسطِ سيطرتهم وتشديد قَبضتهم على زمام الحكم بذريعةِ حمايةِ المقدسات الإسلامية من مُؤامرات الغرب والماسونية، فإذا نجحوا في أمرٍ ما -وهذا نادر جدّاً- نسبوه لأنفسهم، وإذا فشِلوا فيه -وهذا هو الحاصل دوماً- ألقوا الّلوم على الغرب الذي يسعى دائما كما يعتقدون لإضعافهم وتفريق شوكتهم والنَّيْل من مقدساتهم.

وهذا غير صحيح وغير دقيق، لأن العرب والمسلمين على مرّ التاريخ إما كانوا هم أصحاب المشاكل وإما كانوا السبب الرئيس في اندلاعها، فأمريكا مثلاً لم تتخذ قرارها بقصف العراق الذي احتلَّ دولةً جارةً مسلمةً إلا بعد أن حصلتْ على الضوء الأخضر من جميع الدول العربية، بل واتّخذت من بعضها كالسعودية قواعد عسكرية لقصفِ العراق وتدمير حضارته وتفقير شعبه، وروسيا لم تُقدِم على تدمير سوريا إلا بعد أن استنجدَ النظام السوري نفسُه بها، وفتح لها الحدود على مصراعيها وفوَّض لها كل السُّلط لبسط سيطرتها على الأرض العربية السورية.

المؤامرة الحقيقة التي يتعرض إليها الإسلام هي من المسلمين أنفسهم، لأنهم ضيعوا أمانة الرسالة المحمدية حتى جُعِل كل مسلمٍ في نظر الغرب إما إرهابياً أو سارقاً أو خائناً

وكذلك الشأن بالنسبة للربيع العربي، فهذا الربيع المُزهر لم يتحوّل إلى خريفٍ جارفٍ إلا من الدول العربية عينِها وليس من الغرب، ولم تُجابَه الشعوبُ العربية الثائرة بالحديدِ والنّارِ وهي تُطالب بأبسط حقوقها إلا من حكامِها المسلمين، إذ لم يكن للغرب يد في قمع الشعوب والقضاء على نسمات الربيع العربي بأيّ حالٍ من الأحوال، حتى وصلنا إلى درجة أن تُحاصَرَ دولةٌ مسلمةٌ من دولٍ شقيقةٍ بهدف إضعاف اقتصادها وإنهاك مقدَّراتها حتى تعمَّ فيها الفتنُ والمحن.

إذا نظرنا إلى مساجد المسلمين في بلاد الغرب وجدناها على أرقى ما يكون من الصيانة والاهتمام، وحيثما تجوّلت في شوارعها إلا وتجد مسجدا يُرفع فيه الآذان وتُقام فيه الصلوات وتُدرّسُ فيه تعاليم الإسلام الحنيف، وكأنّك في بلدٍ مسلمٍ يعتزُّ بدينه، وتجد المئات من المسلمين في دولِ الغرب صفوفاً متراصّة ينتظرون المعونة من المؤسسات الخيرية الغربية، فيأخذون من الملبس والمشرب والمأكل حتى يكتفون، ثم يحمدون الله على نعمه وكأنّهم في بلدٍ مسلمٍ يعتزُّ بدينه، وتجد الملايين من المسلمين يشتغلون في أوربا وأمريكا فيُعامَلون معاملة تَليق بالإنسان، ويَحصلون على حقوقهم كاملةً شأنهم شأن أيّ عاملٍ آخر، بل وتُحتَرمُ شعائرهم الدينية خصوصاً في شهر رمضان المبارك فتُراعى أحوالُهم فيه وتقدر عبادتهم وكفّهم عن الماء والطعام ولا أحدَ يُجبرُهم على الأكل أو يستنكر عليهم ما يفعلون وكأنهم في بلدٍ مسلم يعتز بدينه.

وتجد في الغرب ملايين الطلبة المسلمين يدرسون في مختلف التخصصات العلمية والأدبية، بل ويحصلون مقابل دراستهم على منحٍ سخيةٍ توفر لهم العيش الكريم، فيَنهلون من ألوان العلم حتى يكتفون دون تضييقٍ على شعائرهم الدينية التي يؤديها بعضُهم في الجامعات حيثُ تُوفَّر لهم الأمكنةُ المجهّزة للوضوء والصلاة، وحين ينهون دراستَهم قد يختارون العودة لبُلدانهم الأم لتستفيد مجاناً من خِبراتهم ومؤهلاتهم وكأنهم كانوا يدرسون في بلدٍ مسلم يعتز بدينه.

وتجد الملايين من الأسر العربية والمسلمة تعيش في بلادِ المسلمين من نفقاتِ التقاعد التي تَصرفها دولُ الغرب لهم بكل دقّةٍ وأمانة، حتى إذا رحلَ ربُّ البيت إلى دار البقاء انتقل المعاش إلى ذويه وكأنّه كان يشتغل من قبلُ في بلد مسلم يعتز بدينه، وتجد مكتباتٍ غربيةٍ شهيرة حُبلى بالكتب والمراجع الإسلامية القيّمة التي تحتضن بين أوراقها حضارة المسلمين وماضيهم العريق، بل وتُعاد طباعتُها وتُوزَّع على نطاق واسع وكأن هذه الكتب والمراجع توجد في بلادٍ إسلامية تعتز بدينها، كل هذا ويَخرجُ إليك رجال الدين المسلمين من الفقهاء والمشايخ وعلماء السلاطين ليتّهموا الغربَ بغزلِ مؤامرته ضد الإسلام ومحاربته بكل الوسائل الممكنة، متناسين أنهم هم السبب الأول والأخير في تردّي أحوال المسلمين في هذا العصر، وأنهم أبعد الناس عن الإسلام وسماحته وجوهره، فلا هم عرفوا حقيقته ولا هم وصلوا إلى درجةٍ يستوعبون فيها رسائلَه وأهدافَه.

إن علماء المسلمين إلى جانب الحكام المتآمرين هم الذين هيأوا لجيلٍ بهذا الانحطاط، جيلٌ ينخره الجهلُ والتخلّفُ والغباء من كل جانب، جيل لم يأخذ حظه لا من الدنيا ونعيمِها ولا من الآخرة وثوابِها، هم الذين جعلوا العقلَ المسلم لا يخرج من قوقعة أفكار تعدّد الزوجات وأحكام الحيض والنفاس والتسبيح بحمد الحكام، فأصبح المسلمُ لا يقدر على التفكير أبعدَ من رجليه خطوةً واحدة، وإذا كان دينُنا دين علمٍ وعبادتنا لله لا تستقيم إلا به، إلا أننا مع الأسى والأسف نجد الدول العربية تحديداً تقبعُ في قعر الترتيب العالمي فيما يخص جودة التعليم والمناهج الدراسية التي لا تُخرّج سوى مزيد من العاطلين، فتتغيّر باستمرار لتُكرّس حالة التخبط والتيه وغياب التخطيط الفعّال.

رويترز

الإشكالُ الحقيقي يكمن فينا كمسلمين، والتحدّي الأكبر الذي نواجهه هو أن ننتصر على الفشل ونُحقق العدالة ونحارب الفساد، ونُعطي لكل ذي حقٍّ حقه وننهض بمجتمعاتنا ولُغتنا كي نقف موقفَ المنافس في وجه الغرب

 

ولو كان الإسلام فعلاً يعيش في ظلّ مؤامرة دائمة من الغرب لانقرض هذا الدين منذ أربعة عشر قرناً بالنظر إلى ما تعرض له في بداياته من حربٍ لا هوادة فيها، إلا أنه محفوظٌ بقدرة قادرٍ من بطش المخالفين، لكنه قد ينقرض فعليّا إذا استمرَّ خطاب علمائنا المسلمين بهذه السطحية والعبثية، خصوصا ونحن نرى أفواجاً من الشباب العربي تُقبل على دياناتٍ أخرى بشغف، وأفراج أخرى تقبلُ على الإلحاد بشراهة، لأنّهم وبكل أسفٍ افتقدوا الخطاب الصادق الأمين الذي يحترم عقولهم ويُساير متغيّراتهم، وليس الخطاب الذي يُلقي اللّوم على الغرب في كل نكسات المسلمين وسقطاتهم المتتالية.

إن المؤامرة الحقيقة التي يتعرض إليها الإسلام هي من المسلمين أنفسهم، لأنهم ضيعوا أمانة الرسالة المحمدية حتى جُعِل كل مسلمٍ في نظر الغرب إما إرهابياً أو سارقاً أو خائناً، ولأن قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا اتّصف بها الغرب عوض أن تتجسد في سلوكياتنا نحن المسلمين كما أمرنا الله، فهم يَصدُقون القول ونحن نَكذب، وهم يُؤمنون ونحن نَختلس، وهم يُخلصون في عملهم ونحن نغشُّ ونتلاعب، وهم يَرحمون بعضهم البعض ونحن نقطع الرؤوس، وهم يُضحُّون في سبيل العلم والمعرفة ونحن نُكرّس الجهل والهوان، لأننا وبكل بساطة لم نَتشرَّب بعد معانيَ هذه القيم، ولأن علماءنا انصرفوا إلى خدمة أجندتهم ومصالحهم وأهملوا دورهم الحقيقي في تهذيب الأمة وتنويرها ونشر الإسلام الحقيقي وليس الإسلام الذي يُطبل للسياسات الفاشلة.

لا مؤامرة من الغرب على الإسلام، بل بالعكس تماما علينا أن نشكره ونُثني عليه على ما يُوفّره لنا من تكنولوجيا حديثة يستفيد منها الإسلامُ أيّما استفادة، ولو أراد أن يقطع علينا اختراعاته واكتشافاته العلمية لعُدنا للعيش في الخيام، الإشكالُ الحقيقي يكمن فينا كمسلمين، والتحدّي الأكبر الذي نواجهه هو أن ننتصر على الفشل ونُحقق العدالة ونحارب الفساد، ونُعطي لكل ذي حقٍّ حقه وننهض بمجتمعاتنا ولُغتنا كي نقف موقفَ المنافس في وجه الغرب، حينها فقط قد يُفكّر الغربُ في محاربتنا.

spot_imgspot_img