أعاد نشر تلفزيون “NRK” النرويجي مقطعي فيديو عنيفين صورا بهاتف محمول، الجدال حول العنف في أوساط المراهقين والشباب. المقطعان أرسلا من تلاميذ إحدى ثانويات ضواحي أوسلو، ويظهران عراكاً جماعياً في الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول الجاري، لفتيات أغلبهن من أصول مهاجرة، بعضهن محجبات، وهو شكل من العنف ينتشر منذ سنوات في الأوساط الشبابية ويعرف بـ”عنف النظرة الأولى”.
تمدد “عنف النظرة الأولى” على مدى السنوات الماضية، ليشمل جارتي النرويج؛ السويد والدنمارك. في الأخيرة أظهرت مقاطع فيديو فتيات يعتدين على أخريات من دون سابق إنذار، مع سؤال “لماذا تنظرين هكذا إليّ؟”، ليبدأ الاعتداء فوراً بعدها، وسط قهقهة وتشجيع وتصوير مراهقين، ذكوراً وإناثاً. يعقب ذلك نشر المقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي. وهو ما حصل أيضاً مع شابة من أصول صومالية عند بوابة أحد المراكز التجارية في كوبنهاغن، إذ ظهر في المقطع الذي أثار غضباً في المجتمع الدنماركي قبل أشهر، اصطياد الفتيات ضحيتهن وضربها وركلها وخطف حقيبتها، مع أصوات مصوري الفيديو، الذين كانوا في ما يبدو متهيئين للحادثة، ونشر الفيديو خلال دقائق على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، ولاقى استحساناً من شبان وشابات، أغلبهم من أصول مهاجرة.
تستعيد أوسلو حوادث العنف المنتشرة منذ عام 2011، بقوة أكبر هذه المرة وأكثر انتشاراً عما كان، “فقد شهدت المدارس سابقاً أحداث عنف شبيهة، لكن لم تشهد كالذي حدث في الحادي والعشرين من سبتمبر”، بحسب مديرة مدرسة “هيرسليب” التي وقع فيها العراك، آنيا تييغ.
يشير التلفزيون النرويجي إلى أنّ “مثل هذه الحوادث العنفية، المستندة إلى مبرر النظرة الخطأ ينتشر في مدارس أخرى، وخارج المدارس أيضاً بين المراهقين والشباب”. وبحسب مصادر القناة، فإنّ ظاهرة العراك العنيف وتصويره تبدأ “حين تنظر فتاة تنتمي إلى مجموعة إلى فتاة أخرى نظرة مستفزة معروفة باسم، بليكيت، فيبدأ بعدها العراك”. تؤكد تييغ أيضاً أنّ “للنميمة دوراً في هذا العنف”.
المعلمون والمديرة يتفقون على أنّ أسباباً أخرى كثيرة تلعب دوراً في انتشار العنف بين الفتيات والفتيان في المدارس. تقول تييغ إنّها كثيراً ما تدخلت لحلّ نزاعات بين الفتيات سببها التنمر والمنافسة على مكان الجلوس والمكانة في الصفوف، قبل أن تشهد مدرستها هذا العراك الذي انتقل منها إلى مدارس نرويجية أخرى. وتلاحظ المديرة، منذ بدء الموسم الدراسي الحالي، أنّ “النزاع يبدأ حول المكان في الفصول الدراسية، واعتبار البعض أنّ مكان جلوسه في الفصل ثابت، فالفتيات تحديداً يعتبرن ذلك حقاً لهن ويمنع على أخريات الاقتراب من مقاعدهن، خصوصاً إن كن من مجموعة مختلفة”.
بالرغم من مقابلة المدرسة الفتيات اللواتي ظهرن في المقطعين، فإنّ لا شيء يضمن “ألّا يندلع العنف مجدداً”، بحسب مسؤولي المدرسة الذين يؤكدون أنّ المسألة في حاجة إلى ما هو أبعد من الكلام: “الفتيات يعانين من مشاكل اجتماعية وخلفيات تحتاج إلى علاج عميق”.
“مجموعة العمل الوقائي من العنف بين الشبيبة” التابعة للشرطة النرويجية، التقت فتيات شاركن في العراك في أكثر من مناسبة. تقول الضابطة، هيلدا هيرستاد، للقناة النرويجية: “من المهم إعطاء الأولوية لسلامة أولئك الملتحقين بالمدارس للتحصيل العلمي في فصول دراسية لا يجب أن تكون ساحة عراك، ولا بدّ أيضاً من أن تكون هناك عواقب لمثل هذه التصرفات، فليس في العنف وممارسته أيّ ارتباط بحق الإنسان في ارتياد المدارس”. يرى البعض أنّ تصريحات الشرطة ربما تؤدي إلى طرد التلاميذ من ممارسي العنف من مدارسهم ولو لفترة زمنية، كنوع من العقوبة”. وهو ما يطبق أيضاً في الدنمارك، إذ توقف المنحة المالية للتلاميذ في حال طردهم من المدارس.
تنشغل الشرطة النرويجية بما يسمى “شكاوى النظرة” أيضاً، إذ تتجه فتيات لتقديم شكاوى بحق فتيات أخريات بتهمة استفزازهن من خلال النظرة للاستدراج إلى عراك. وتعرض أحياناً وسائل الإعلام تفاصيل هذا العنف وكيفية حصوله، وهو الذي يصل إلى حدّ الطعن بالسكاكين والتهديد بالمسدسات والهجوم الجماعي على شخص ما، كما في حادثة شهيرة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، شاركت فيها 20 فتاة من أصول أجنبية في الهجوم على الشاب الباكستاني الأصل، غلام فريد خان، مع تهديده بالسلاح أيضاً.
تستند وسائل الإعلام إلى شهادات من داخل تلك المجموعات تقول إنّ “النظر من قبل طرف باتجاه الآخر لا يؤدي إلى العراك مباشرة لكن بعد العدّ إلى الخمسة، فإذا لم يتوقف الطرف الناظر يمكنك عندها طرح السؤال: لماذا تنظر/ين بهذا الشكل؟ ليبدأ العراك” بحسب ما تنقل صحيفة “أفتن بلاديت” عن عبد علي (14 عاماً) وهو تلميذ في إحدى مدارس الضواحي.
حكم في السنوات الماضية على مراهقين مشتركين في هذا الشكل من العنف بعقوبة “الخدمة الاجتماعية” التي تصل إلى الخدمة لـ70 ساعة. وأدت حملات أمنية على بعض المدارس النرويجية إلى مصادرة العديد من الأسلحة البيضاء التي كان يحملها التلاميذ معهم، كما بدأت السلطات منذ عام 2017 تتشدد في منع وجود أيّ نوع من السلاح في حقائب التلاميذ، خشية مثل هذا العنف المندلع اليوم.
تثير مثل هذه الحوادث، بمشاركة فتيات محجبات من أصول مهاجرة، خصوصاً مع الشتائم باللغات الإسكندنافية واللغات الأم، موجة من التعليقات الغاضبة من قبل مواطنين، سواء في النرويج أو الدنمارك أو السويد، لتطاول مجتمعات الهجرة بأكملها، ويربطها كثيرون بما يسمونه “اختلاف ثقافة هؤلاء عن ثقافتنا حتى لو ولدوا بيننا”. ويستفيد اليمين المتشدد في الدول الإسكندنافية من أخبار مثل هذه الحوادث العنفية، بمزيد من الانتقاد لسياسات الهجرة والاندماج، خصوصاً مع تناقل وسائل الإعلام أنّ “كلّ المشاركين هم من أصول مهاجرة” كما حدث يوم 17 سبتمبر الجاري، عندما قُتل شاب في تروندهايم، شمال النرويج، بعراك جماعي شارك فيه عدد من الشبان من أصول مهاجرة في مبنى سكني، وأدى الحادث إلى طعن اثنين وإصابتهما بجروح خطيرة.