اوسلو – النرويج بالعربي
أربع سنوات مرت لم تر فيها ابنتها، بعد أن انتزعتها منها الشؤون الاجتماعية (السوسيال). وبعد أن أقرت المحكمة بعدم أهليتها كأم لحضانة ابنتها، سنوات حاولت فيها الأم العثور على إجابات عن تساؤلات كثيرة تدور في خلدها، أولها ما هو الخطأ الذي ارتكبته لتُحرم حتى من التواصل مع ابنتها؟
بصوتها المثقل بالهموم، تحدثت السيدة وهي من أصول عراقية لـ الكومبس، ما حدث معها في شباط فبراير العام 2013، لا زالت تذكر هذه اللحظة عندما طرق أفراد الشرطة باب منزلها في مدينة فالون حاملين معهم تفويضاً من السوسيال بأخذ ابنتها ذات الأربعة عشر عاماً، بعد شكوى تقدمت بها الفتاة ضد والدتها، الفتاة قالت إن الأم هددتها بالسفر إلى بلدهما الأم العراق رغماً عن الابنة وإبقائها هناك.
فضلاً عن ذلك قالت الفتاة إن الوالدة تقييد تصرفات ابنتها، حيث تمنعها من حرية ارتداء ما تريده من ملابس، مثلها مثل زميلاتها، كما أنها تحرمها من مصروفها النقدي، وفوق كل ذلك تقوم بالاعتداء عليها بالضرب.
تقول لنا الأم، التي تعيش مع أولادها الأربعة لوحدها بعد أن انفصلت عن زوجها متحدثة عن حالة الذهول التي اصابتها بعد سماع هذه التهم:” لم أصدق ما الذي اسمعه، لقد صعقت من هذه الاتهامات الصادرة عن ابنتي”!
وعلى الفور حاولت كما تقول تفنيد كل هذه الادعاءات لعناصر الشرطة، مظهرة لهم جواز سفرها وبينت لهم من خلاله كيف أن أنها سافرت أكثر من مرة إلى العراق ولم تصطحب أولادها أبداً معها، كما عرضت عليهم مجموعة صور لها ولابنتها وهما يقضيان أوقاتاً سعيدة في النزهات، وتشير لهم إلى الثياب التي ترتديها فتاتها والتي تتشابه مع تلك التي ترتديه بالعادة الفتيات السويديات، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أطلعت الأم الشرطة على حسابها البنكي وما تقوم بإنفاقه على أولادها بهدف شراء حاجياتهم.
وتضيف لنا متسائلة، كيف أبخل على ابنتي وأنا أتبرع دائماً بالأموال لطفل يتيم موجود في الهند عن طريق إحدى المؤسسات الخيرية ؟!
كل تلك المحاولات من الوالدة، لم يحل دون أن تأخذ عناصر الشرطة ابنتها من بين يديها.
جلسات استماع دون السماح للأم برؤية ابنتها
توالت الأيام، وتم تحديد جلسات استماع للأم في المحكمة مع السوسيال، وبحرقة تقول الأم في هذا الإطار للكومبس:” ثلاث جلسات استماع، لم تحضر ابنتي أي واحدة، منها بحجة أنها صغيرة في السن… كنت آمل أن أراها لكن ذلك لم يحدث”.
وتشير في حديثها إلى استمرار جلسات الاستماع، على الرغم من اعتراضها أكثر من مرة على المترجمة، التي كانت متواجدة خلال الجلسات، بسبب عدم كفاءتها وملاحظات المحققة عليها حسب قولها.
وخلال تلك الفترة، تعددت لقاءات الأم في منزلها مع ممثلين عن السوسيال من ستوكهولم ويوتبوري، والذين حاولوا العثور على أي دليل ضدها، لكن ووفقاً لكلامها، لم يستطيعوا إيجاد أي شيء، يثبت ما أدعته ابنتها عليها، واعدين إياها بأنهم سيردون عليها خلال عشرة أيام،
لكن هذه الأيام العشر تحولت إلى أشهر ثلاث والأم مازالت تنتظر الرد.
“الفتاة نادمة وترغب بالعودة لمنزلها ولكن…”
وأثناء تلك المرحلة تكشف لنا الأم عن اتصال هاتفي تلقته من ابنتها تطلب فيه الأخيرة منها السماح، وتقول إنها نادمة ترغب بالعودة للبيت، لكن بعض موظفي السوسيال يهددوها دائماً بالشرطة كما تدعي، وهو ذات الكلام الذي قالته الفتاة لوالدها، عندما زارته وسُمح لها بالمبيت في منزله لمدة أربعة أيام.
وبالرغم من أن المرأة وحسب قولها لنا عرضت الاتصال الهاتفي الذي سجلته مع ابنتها على السوسيال، إلا أن ذلك لم يغير أي شيء في القضية.
كانت الأم كل مرة تحاول الاتصال بابنتها بعد مرور ثلاث أشهر على آخر زيارة لمسؤولين في السوسيال إلى منزلها تتلقى الجواب ذاته وهو، إنها لا تريد أن تتكلم معها.
انقطع الاتصال بابنتها لفترة طويلة قاربت السنة لتتفاجئ السيدة ببريد وصلها من السوسيال يخبرها فيها أن ابنتها تتعاطى الحشيش، خبر نزل كالصاعقة على رأس الوالدة التي أسرعت بالذهاب إلى الشرطة تشكي لهم ما حصل مع ابنتها في السوسيال قائلة لهم وفق حديثها معنا: إذا أخذوها ليحموها مني وتوفير تربية جيدة لها كيف يمكن أن تصبح متعاطية للحشيش؟ ومع أن أحد عناصر الشرطة بإيصالها بالسوسيال للاستفسار عما يجري مع ابنتها لكن مع ذلك لم تحصل على أي رد من السوسيال.
أمام ما يجري معها، دخلت الأم في حالة من الكآبة المصحوبة باليأس والعجز، خسرت على إثرها عملها، ومع ذلك لا تزال تسعى جاهدة لإيصال صوت قضيتها إلى الصحافة والإعلام لعل ذلك يساعدها في إنهاء معاناتها، المستمرة منذ أربع سنوات.
الأب يسأل لماذا لم يعطوني حق حضانة ابنتي؟
الملفت للنظر هو أن قرار السوسيال إعطاء الفتاة إلى عائلة سويدية لتعيش معها، رغم تواجد والدها، والذي يمنحه القانون حق رعاية ابنته في حال عدم أهلية الأم، التي كانت تملك حق الحضانة على ابنتها، لكن هذا الأمر لم يحدث.
اتصلت الكومبس بوالد الفتاة، الذي عبر لنا عن استيائه من تصرف السوسيال، الذي وصفه بغير” الأخلاقي” قائلاً: “ إنه من المعيب في دولة تدّعي الديمقراطية وحقوق الإنسان أن يحدث ذلك، مدعياً وجود تواطؤ واضح بين السوسيال والمحكمة التي حكمت بانتزاع الفتاة من حضن أمها، حيث اعتبر الأب، أن الأدلة التي بحوزة الوالدين تفوق برأيه تشكيك السوسيال الوحيد في أن الأبوين يشكلان خطراً على الفتاة من ناحية إمكانية إعادتها إلى العراق، وهو ما يراه مستحيلاً ، كما أشار الأب خلال حديثه معنا، إلى محاولته الاتصال بالمدير الجديد لدائرة السوسيال التابعة لبلدية فالون، لكنه أيضاً رفض المساعدة و حتى الحديث عن الموضوع، حسب قوله.
المحامي: المحكمة صار عندها شك كبير حول أهلية الأم لحضانة ابنتها
توجهنا في هذا الإطار إلى المحامي الذي وضعه الوالد في قضية حضانة ابنته، وهو آنديش أيركسون، حيث أجاب على سؤالنا، عن سبب أخذ السوسيال للفتاة بالقول، إن القرار النهائي للمحكمة كان احتفاظ السوسيال بحق رعاية الفتاة، بسبب وجود شكّ كبير حول أهلية الأم وقدرتها على توفير الرعاية الكافية للفتاة .
ورغم محاولات الكومبس الاتصال مراراً بدائرة السوسيال لأخذ رأيهم بالقضية، إلاّ أننا لم نتلق أي رد من قبلهم على الأقل لنعرف وجهة النظر الأخرى حول حقيقة ما جرى، لكيلا تبقى هناك حلقة ضائعة في هذه القصة.
ويبقى من المهم الإشارة إلى أهمية نشر مثل هذه المواضيع الاجتماعية لكي يستخلص منها القراء بعض التجارب ويستشف الاختلافات بين المجتمعات التي أتوا منها وبين المجتمعات الجديدة، خاصة بما يتعلق بتربية الأطفال، ومن المهم أيضا أن تشكل هذه القصص أساسا لفهم حقيقتين مهمتين فيما يتعلق بتربية الأطفال في السويد، الحقيقة الأولى: الطفل هو انسان له حقوق تخص كرامته وانسانيته، وهو ليس متاعا أو ملك خاص لأهله. الحقيقية الثانية: المجتمع السويدي يعرف ويقدر ويشجع دور الأهل في تربية أطفالهم وليس صحيحا أن الطفل أو المراهق يمكن أن يتصرف كما يريد دون احترام لوالديه ولدورهم، ولكن سوء الفهم الواقع بين بعض العائلة المهاجرة حول دورهم وطبيعة العلاقة مع أطفالهم هي المشكلة على الأرجح
لينا أبو أسعد