اوسلو – النرويج بالعربي
تمكن علماء من التهجين بين الإنسان والخنزير، فيما يُعد حدثًا غير مسبوق في تاريخ العلم، وقفزة هائلة ترفع من احتمال تخليق أعضاء بشرية نامية داخل الحيوانات، لاستخدامها في عمليات زرع الأعضاء. وتُعد هذه المرة الأولى التي نحصل فيها على جنين يجمع بين نوعين من الحية الكبيرة، بعيدة الصلة عن بعضها البعض.
وللمزيد من الدقة، فهذه المرة الأولى التي يتمكن العلماء فيها من تنمية خلايا بشرية داخل أجنة خنزير في مرحلة مُبكّرة في المخبر؛ لينتج عن ذلك هجين من الخنزير البشري. وقد أُشيد بهذه العملية كخطوة أُولى نحو توليد قلوب وأكباد وكلى بشرية من الصفر، لكنها أيضًا أثارت تساؤلات أخلاقية.
كيميرا
أطلق على هذا الجنين اسم «كيميرا – Chimera»، وهو اسم أحد الوحوش في الأساطير اليونانية، التي تتميز بأن لها رأس أسد وجسم شاه وذنب أفعى، وبالرغم من أن الكلمة كانت تستخدم لوصوف الوهم أو السراب أو الحلم الذي لا يمكن تحقيقه، إلا إن كيميرا أصبحت حقيقة واقعة أمام أعيننا الآن. وفي التجربة، حقن الباحثون في الولايات المتحدة الأمريكية الخلايا الجذعية البشرية داخل أجنة خنازير في مرحلة مبكرة، ثم نُقلت هذه الأجنة المهجنة في مزارع بديلة، حيث سمح لها بالتطور حتى الثلث الأول من فترة الحمل.
وحوّل العلماء أكثر من 150 من الأجنة إلى الأجنة المهجنة أو الكيميرا؛ وهو ما يعني أنها وصلت إلى مرحلة نمو الأجهزة المختلفة بما في ذلك القلب والكبد، ولكنها تحتوي على كمية صغيرة من الخلايا البشرية، حوالي واحد من 10 آلاف من الخلايا الهجينة فقط كانت بشرية. وتعد هذه التجربة إثباتًا لإمكانية تخليق أجنة هجينة بين الإنسان والخنزير.
فيما يخص الهدف من هذه الدراسة، فهو التوصل إلى كيفية إنماء الأنسجة والأعضاء الوظيفية البشرية واستنساخها، وبالرغم من ذلك تظل هذه المرحلة المتقدمة بعيدة حتى الآن، وفقًا لخوان كارلوس إيزبياسو بيلمونت، قائد فريق العمل على هذه الدراسة في معهد سالك للدراسات البيولوجية بولاية كاليفورنيا الأمريكية. لذلك فهذه العملية الأولى من نوعها، هي خطوة حقيقية نحو تقدم الطب في مجال زراعة الأعضاء والأنسجة. «نتائجنا يمكن أن تقدم الأمل للنهوض بالعلم والطب»، كما قال بيلومنت.
الورقة البحثية، التي نشرت في مجلة الخلية، بينت بالتفصيل كيف جرى حقن الخلايا الجذعية البشرية إلى أجنة الخنازير في مرحلة مبكرة؛ ما أدى إلى تكوين أكثر من ألفي خلية هجينة، نُقلت في مزارع بديلة، وتحوّل أكثر من 150 من هذه الخلايا الجنينية إلى كيميرا بالفعل، وكانت معظمها أجنة خنازير، لكن مع مساهمة الإنسان بنسبة ضئيلة من الخلايا بنسبة 0.0001% فقط. وسمح لأجنة الخنازير البشرية النمو والتطور لمدة 28 يوم (وهي فترة الأشهر الثلاثة الأولى من حمل خنزير)، قبل أن تُزال، وتُعد هذه الفترة طويلة بما يكفي لفهم كيفية مزج الخلايا البشرية مع الخنازير في وقت مُبكر، «دون إثارة مخاوف أخلاقية عن الكيميرا»، كما يقول بيلومنت.
مخاوف أخلاقية من جديد
أثارت الدراسة مخاوف وتساؤلات أخلاقية، قد تهدد بأن تلقي بظلالها على التقدم الإكلينيكي لهذه التكنولوجيا البيولوجية. وحتّم هذا العمل ظهور شبح تخليق حيوانات ذكية بعقول بشرية، أو تخليق كائنات مهجنة غريبة يُطلق بسراحها بطريق الخطأ في البرية. وكانت المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة (NIH)، أوقفت تمويل هذا النوع من التجارب المثيرة للجدل العام الماضي؛ لأخذها في الاعتبار مثل هذه المخاطر الأخلاقية.
لكن على الجانب الآخر، يرى بيلمونت أن مثل هذه المخاوف مُستوحاة بشكل كبير من الأساطير، وليس من الواقع الذي قال: إنهم يُسيطرون عليه بدقة، لكنه مع ذلك اعترف بأن فكرة وجود حيوانات مكوّنة من خلايا الإنسان، أمر يستدعي بعض المشاعر التي ربما تحتاج إلى معالجة وفقًا لرؤيته. ومع أنّ طبيب القلب ومدير مشروع مشابه في جامعة مينيسوتا، دانيال جاري، اعتبر أن هذه العملية تُمثّل تقدمًا كبيرًا، لكنه أيضًا يعتقد بأنها ستدفع نحو مزيد من اللغط الأخلاقي.
وطرح جاري بعض المسائل الأخلاقية المثارة حول بحوث الكيميرا، من بينها ما إذا كانت الذرية الناتجة عن هذه الأجنة، في حال تُركت للنمو حتى النهاية، فهل ستكون أقرب للإنسان أم للخنزير (الحيوان)، وما الذي سيحدث إذا ما كان هذا المخلوق أو الكيميرا، يحوي أفكارًا إنسانية، أو مشاعر إنسانية؟ وبالرغم من أن هذه التساؤلات قد تقترب إلى الخيال، لكنها تظل تساؤلات مشروعة مع عدم معرفتنا بالنتيجة النهائية.
أول كائن كيميرا، كان قبل نحو عقد من الزمن بتهجين نوعين من الفئران، وقبل ذلك كان العلماء يسعون بجهد للجمع بين خلايا الإنسان والثدييات الأُخرى الكبرى، لذا فإنبروس وايتلو مدير معهد روزلين بجامعة أدنبره، حيث نُفّذت عملية تخليق الخروف دوللي الشهير؛ يُؤكد على أن الوصول إلى عملية تهجين بين الإنسان والخنزير، هي عملية واجهتها العديد من الصعوبات للوصول لنتائجها أخيرًا.
تحديات وحلول
فيما يخص التحديات التي تواجه عملية التهجين هذه، فتتمثل بشكل أساسي في أن فترة حمل الخنزير تمتد لحوالي 112 يومًا فقط، مقارنة بتسعة أشهر لدى البشر، وهو ما يعني أن الخلايا الجينية تتطور بمعدلات مختلفة، لذا كان ضروريًا حقن الخلايا البشرية في الوقت الصحيح وفقًا لحسابات دقيقة، تضمن بدرجة كبيرة نمو هذه الخلايا وتطورها بما يضمن لها البقاء حيّة، وبالرغم ذلك لم تكن الكفاءة كما يُراد.
جون وو، المؤلف الرئيسي للدراسة، شبه الأمر بـ«كما إذا كنت تريد دخول طريق سريع، حيث السيارات فيه تسير بسرعة تزيد عن سرعة سيارتك ثلاث مرات، وعليه فإنك بحاجة إلى اختيار التوقيت المناسب، وإلا فستتعرض لحادث».
وأخيرًا يأمل فريق العمل على هذه الدراسة، تعزيز مساهمة الخلايا البشرية في هذه الأبحاث، عن طريق إغلاق جينات معينة في أجنة الخنازير التي من شأنها أن تمنع خلايا الخنزير من المساهمة في الأجهزة البشرية المراد نموها وتطويرها، مثل القلب؛ مما قد يعطي الخلايا البشرية ميزة تنافسية.