اوسلو – النرويج بالعربي
“الأدوية الذكية”
ليس من النادر رؤية البشر وهم يستمتعون بفنجان القهوة الصباحي أثناء طريقهم إلى العمل، ولكن كم عدد أولئك الذين يدركون بأن شربهم للقهوة يعدّ استخداماً لـ “الأدوية الذكية”؟
ويشير مصطلح “المنشطات الذهنية” إلى المواد والمكمّلات والأدوية التي تعزّز القدرات المعرفية مثل الذاكرة والإبداع أو حتى التحفيز. ومن الأمثلة الحديثة والأكثر شعبية عليها أدوية ريتالين وأديرال ومودافينيل. كما أن الكافيين يندرج أيضاً ضمن هذه الزمرة، وكثيراً ما يتم تناوله بسبب خصائصه المنشطة للذهن تحديداً.
وفي حال كان الأمر مفاجئاً، فلا بد من الإشارة إلى أن الدراسات تفيد أن الكافيين ليس من المُحسّنات المعرفية “الخالصة”، وإنما يندرج ضمن هذه الزمرة “لأن تأثيره غير المباشر على المزاج والتركيز يساهم بشكل كبير في خصائصه المحسّنة للقدرات المعرفية.”
وبالرغم من أن السيناريو الحالي يعتبر من أقصى المستحيلات، إلا أن هذا هو بالأساس ما يفترض أن تفعله “الأدوية الذكية” الشبيهة بالمذكورة سابقاً.
ويذكر أن هناك الكثير من المنشّطات الذهنية الموجودة في الأسواق حالياً، بمستويات متفاوتة من الشرعية القانونية وبتراكيب كيميائية متنوعة طبيعية ومعدّلة.
وللإجابة على التساؤل بخصوص من يستخدم هذه الأدوية، نذكر أن إحدى المقالات المنشورة حديثاً في مجلة هارفارد بزنس ريفيو للأستاذ كارل سيديرسترم من جامعة ستوكهولم أوضحت أن استخدام المنشطات الذهنية أصبح بالفعل واسع الانتشار في السنوات الأخيرة، حيث قال: “ما يصل إلى 20% من طلاب الجامعات الممتازة IVY League قاموا بالفعل بتجريب “الأدوية الذكية”، ولذلك يمكننا أن نتوقع أن تحتل هذه الحبوب مكانة بارزة”. وبشكل مماثل، وفي دراسة نُشرت في مجلة نيتشر، لاحظ عالم الأعصاب أنجان تشاترجي من جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا بأننا سنشهد بالتأكيد ازدياداً في استخدام “الأدوية الذكية وغيرها من الإجراءات والمنتجات المحسّنة للأعصاب” حيث إنها تصبح متوافرة على نطاق واسع في الأسواق التجارية.
ولكن هل يعدّ هذا الأمر جيداً؟
رسم الحدود
في البداية، هل من العدل أن يتمكّن بعض الأشخاص من الحصول على “الأدوية الذكية” لتعزيز أدمغتهم وبالتالي التفوّق على أولئك الذين لا يملكون المال الكافي لتحمّل تكاليفها؟ حيث تم بالفعل حظر أدوية مماثلة بسبب تعزيزها “غير المنصف”. وقد أثيرت إحدى نقاط الخلاف في عالم الرياضة الاحترافية وتعاطي المواد المخدرة وأخذ الأدوية المحسّنة للأداء.
وفي الحقيقة، فقد تم منع عدد كبير من الرياضيين الأولمبيين الروس من المنافسة بسبب تعاطي بعض هذه الأدوية، ولكن ما هو وجه الاختلاف مع المنشطات الذهنية؟
كما أن هناك القضايا المتعلقة بالسلامة، حيث تبين أن بعض الأدوية (مثل مودافينيل) آمنة جداً للاستخدام، بدون أي احتمال للإدمان وبدون ملاحظة آثار جانبية، بالإضافة إلى إثبات فعاليته. وأظهرت دراسة أُجريت عام 2012 للأطباء الذين أخذوا الدواء بأن “دواء مودافينيل قام بتحسين الأداء في الاختبارات المتعلقة بالوظائف المعرفية العليا، حيث كان أداء المشاركين في مجموعة المودافينيل أكثر كفاءة فيما يتعلق بحل ذاكرة العمل وتخطيط المشاكل، وكانوا يأخذون قرارات بطريقة أقل تسرّعاً، وأكثر قدرة على إعادة توجيه انتباههم بمرونة.”
ولكن لا يمكن قول نفس الشيء عن جميع المنتجات المُعلن عنها كمنشّطات ذهنية.
وكما هو الحال مع العديد من المكمّلات، فلا يوجد هناك طريقة لمعرفة المحتوى الحقيقي للحبوب باستثناء القيام ببحث عنها وعن الشركة التي تقف وراءها، وهذا هو الأساس. وللأسف فإن التحليل الشامل لجميع المنشّطات الذهنية يعدّ مشروعاً ضخماً، وهذا هو السبب في حتميّة المسؤولية الشخصية. فلا تكفي مجرد قراءة ما يعلنه موقع الانترنت الذي يبيع الحبوب. وكما هو الحال مع كل الأمور،فلا بد من قراءة الأبحاث الحقيقية والعودة للمُراجعات المنقّحة.
وبعد ذلك، لا بد بالطبع من أخذ التساؤلات الأخلاقية بعين الاعتبار، ولا يحتاج الأفراد للتفكير بهذه الاعتبارات الأخلاقية، والتي يجب أن تعبّر عن المجتمع بأكمله. وكما ذكر في السابق، فإن استخدامها لن يزداد إلا في الأشهر والسنوات القادمة، ولذلك فإن هذا المجال يستحقّ الاستكشاف، وهذه الأسئلة تحتاج إلى النظر فيها.
ولن يكون من السهل الإجابة عن هذه الأسئلة، ولكن قد يكون من الجيد البدء بالنظر إلى الدافع الكامن وراء رغبتنا أو حاجتنا لتناول هذه الأدوية.
المصدر:المستقبل