اوسلو – النرويج بالعربي
أكدت الحكومة البريطانية، الخميس، أنها تدرس إمكانية دفع اشتراك سنوي للمفوضية الأوروبية؛ من أجل الحفاظ على عضوية البلاد في السوق الأوروبية المشتركة بعد انسحابها رسميًّا من الاتحاد الأوروبي.
وقال ديفيد ديفيس الوزير البريطاني، المكلف بملف الخروج من الاتحاد الأوروبي: المملكة المتحدة يمكن أن تفكر في دفع مساهمة مالية؛ للحفاظ على موقعها في السوق الأوروبية الموحدة بعد خروجها من الاتحاد.
وجاءت تصريحات الوزير خلال جلسة أسئلة بمجلس العموم البريطاني، حيث سأله النائب العمالي المعارض، واين ديفيد: «هل تفكر الحكومة في دفع مساهمة ما للتمكن من الدخول إلى السوق المشتركة؟».
ورد الوزير: «بالطبع نحن نفكر في ذلك»، مذكرًا بأن طموح الحكومة يتمثل في الحصول على أفضل وصول ممكن للسوق الأوروبية للسلع والخدمات البريطانية في إطار التفاوض الذي سيجريه مع بروكسل.
ديفيس قال أيضًا: الحكومة ترغب في تحقيق أفضل اتفاق ممكن خلال المفاوضات، بما يحفظ الامتيازات التي تتمتع بها البضائع والخدمات البريطانية بالسوق الأوروبية المشتركة، وألمح إلى إمكانية قبول بلاده بمرحلة انتقالية بعد نهاية المفاوضات وقبل الانسحاب الفعلي من الاتحاد الأوروبي، معتبرًا أنه من مصلحة الطرفين ضمان انسحاب سلس ومتدرج؛ تجنبًا لأي اضطراب.
وأدى احتمال أن تساهم المملكة المتحدة بطريقة أو أخرى في ميزانية الاتحاد الأوروبي مقابل الاستمرار في السوق الأوروبية الموحدة إلى تحفيز الجنيه الاسترليني مقابل اليورو والدولار، حيث رأى المستثمرون في ذلك أملًا بأن يكون خروج المملكة من الاتحاد «مرنًا».
وردًّا على سؤال بهذا الشأن، نفى المتحدث باسم الحكومة البريطانية حدوث أي تغيير في الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن «كافة المسائل ستكون موضع تفاوض».
بريطانيا المتخبطة
يبدو أن بريطانيا لم تصحُ بعد من صدمة الخروج، أو أنها ما زالت ترغب في الحفاظ على شخصية مستقلة عن الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت ذاته تريد الحصول على المزايا الاقتصادية للتحالف الأوروبي، ويظهر التخبط بالسياسية البريطانية جراء الخروج من خلال التصريحات المتضاربة، سواء في تحديد توقيت الخروج ووضع جدول زمني محدد له، أو البيانات المتضاربة بضرورة إعادة ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي لأروقة البرلمان البريطاني للتصديق عليه أو رفضه، وعمومًا فبعد تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، يتحتم على بريطانيا بناء علاقات تجارية جديدة مع 27 دولة لا تزال موجودة داخل الاتحاد ومع دول أخرى حول العالم، وكانت بريطانيا جزءًا من اتفاقيات تجارية تفاوض بشأنها الاتحاد الأوروبي، وتشمل 22 اتفاقية تجارية مع دول مختلفة، وخمس اتفاقيات متعددة الأطراف تشمل دولًا عدة، ويعني هذا أنه إذا أرادت بريطانيا الاحتفاظ بامتيازات داخل أسواق 52 دولة تغطيها تلك الاتفاقيات، فإن عليها التفاوض من جديد معها.
التصريح البريطاني الأخير بدفع اشتراك سنوي للمفوضية الأوروبية قد يكون اقتراحًا مقبولًا بالنسبة للجانب البريطاني، لكن لا يعرف حتى الآن مدى مقبوليته بالنسبة للاتحاد الأوروبي، خاصة أن الاقتراح البريطاني ليس جديدًا على التحالف الأوروبي، وهناك تجارب أوروبية قريبة له إلى حد كبير، كالنرويج وسويسرا.
النرويج
النرويج عضو في المنطقة الاقتصادية الأوروبية المعروفة باسم السوق الموحدة، بجانب 28 دولة أعضاء حاليًّا بالاتحاد الأوروبي، وأيسلندا وليختنشتاين، وفي مقابل التعامل مع السوق الموحدة، تقدم النرويج مساهمة لميزانية الاتحاد الأوروبي، كما التزمت بالموافقة على جميع القواعد المعمول بها داخل الاتحاد، ويتمتع جميع مواطني الاتحاد بحرية الإقامة والعمل في النرويج، لكنها معفاة من قواعد الاتحاد الخاصة بالزراعة والصيد والعدالة والشؤون الداخلية.
ويتمثل الجانب السلبي بالنسبة للنرويج في عدم قدرتها على الإدلاء برأيها في قواعد السوق الموحدة، وتكمن صعوبة تطبيق النموذج النرويجي على بريطانيا في مسألة حرية الانتقال، فبريطانيا على عكس النروج تضع شروطًا قاسية على حرية الانتقال، من خلال آلية الدخول إليها وعدد الداخلين، حيث قال وزير مالية أيرلندا، مايكل نونان: من غير المحتمل أن تتمكن بريطانيا من ضمان الوصول إلى السوق الموحدة بشكل كامل، إلَّا إذا واصلت السماح للعمالة الأوروبية بحرية الحركة على أراضيها.
فيما أبدت ألمانيا مرونة أكبر حول بقاء بريطانيا في السوق الأوروبية، حيث قال مايكل فوكس، عضو البرلمان الألماني وحليف المستشارة أنغيلا ميركل: بريطانيا يمكنها الحفاظ على الوصول للسوق الموحدة، لكن عليها دفع المقابل.
سويسرا
يمكن لبريطانيا أيضًا اعتماد النموذج السويسري، فلدى سويسرا اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، وعدة اتفاقيات أخرى أتاحت السوق الموحدة أمام معظم قطاعاتها.
لكن السوق الموحدة ليست متاحة بالكامل لقطاعها المصرفي وبعض أجزاء قطاع الخدمات السويسري، حيث ينص الاتفاق مع سويسرا أيضًا على حرية حركة المواطنين، وصوتت سويسرا ضد الانضمام للمنطقة الاقتصادية الأوروبية في ديسمبر 1992.
وبدلًا من هذا، وافقت الدولة، التي تبيع أكثر من 50% من صادراتها داخل الاتحاد الأوروبي، على أكثر من 120 اتفاقية ثنائية مع بروكسل، تتيح لها التعامل مع الأسواق الأوروبية، في المقابل تساهم سويسرا بمليارات من الدولارات في مشروعات الاتحاد، وتواجه الاتفاقيات الثنائية خطر الانهيار الآن؛ بسبب مسألة حرية تنقل الأفراد، بعدما فضل مواطنوها، في استفتاء أجرته قبل عامين، الحد من العمالة الوافدة من الاتحاد الأوروبي. ورغم أن سويسرا لم تنفذ ذلك حتى الآن، إلا أنها بروكسل ردت سريعًا بوقف تنفيذ اتفاقيات وتجميد المشاركة في مشاريع التعليم.
وعلى كل الأحوال استبعد مراقبون أوروبيون بدء المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي قبل تفعيل البند 50 من معاهدة لشبونة، الذي يعني بداية هذا الإجراء.