منذ أن بدأت السلطات اللبنانية بمنع دخول عدد من السوريين القادمين من أوروبا إلى أراضيها، سعت شبكة الكومبس للتحقق من الأمر وإلى البحث عن أسباب هذا المنع عن تفاصيل القرار وحيثياته.
وقامت الشبكة الكومبس في حينها بإجراء لقاءات مع السفير اللبناني د. علي العجمي الذي أبدى استعداده لمساعدة أي مواطن سوري إلى لبنان، وبسبب الظروف السياسية التي تمر بها هذه الدولة كان من الصعب توضيح الصورة بشكل كامل من السويد، الزميلة ديما الحلوة وأثناء زيارتها إلى لبنان استطاعت مقابلة شخصية أمنية في الحكومة اللبنانية اشترط عدم الكشف عن شخصيته مقابل الموافقة على المقابلة وعلى الإجابة عن أسئلة الكومبس. كما قابلت أيضا مستشارة وزير الشؤون الاجتماعية للشؤون الانسانية والدولية، وهذا نص المقابلة مع المسؤول الأمني أولا:
كشف مصدر أمني لبناني بارز في لقاءنا معه في بيروت عن السبب وراء اصدار التعميم الجديد الذي طال السوريين الذين دخلوا تركيا خلسة وخرجوا منها بطريقة غير شرعية، وقال إن منعهم دخول لبنان هو لأسباب امنية فقط. وأردف أن السوري الذي دخل تركيا خلسة هو بطبيعة الحال مر عن طريق حلب وجوارها التي تعج بحواجز تابعة لجماعات تكفيرية مثل داعش وجبهة النصرة والجماعات الاسلامية، بعيدا عن اماكن سيطرة الجيش السوري او الحكومة السورية، لذا لا نضمن نيته من دخول لبنان، حسب قوله.
وأضاف أن الامر يستلزم طلب دعوة مسبق له من اهله في لبنان الى مديرية الامن العام اللبناني، مؤكداً انها ليست تأشيرة دخول لان الفيزا تكون عبر السفارات في الخارج وهذا ما لا نطلبه.
وعبر عن استغرابه لموجة الاستهجان الكبيرة بين صفوف السوريين عقب صدور القرار، موضحا أن عليهم تفهم الوضع الامني الصعب الذي يعيشه لبنان والمنطقة، حسب قوله “لشرق الاوسط كله يشتعل، ونحن نستقبل مليون ونصف سوري في لبنان لذا علينا التدقيق بهوية كل سوري دخل تركيا خلسة لضمان عدم ولاءه لأي جماعة تكفيرية سبق له المرور بحواجزها”.
وفي إجابة عن اتهام السلطات اللبنانية بعدم الأخذ بالاعتبار الجانب الانساني عند ارجاع السوريين من مطار رفيق الحريري الدولي الى البلدان التي أتوا منها، قال المصدر الأمني إن الجانب الانساني يصبح ثانوي امام التخوف الامني، وهم لا يحمون بهذا القرار اللبنانيين فقط بل السوريين وجميع الجنسيات الاخرى الموجودة على ارض لبنان. وأن الحكومة اللبنانية أصدرت هذا القرار عقب الكثير من الانتقادات الداخلية بأن لبنان يفتح حدوده امام السوريين دون رقابة كبيرة وهو البلد الذي يستقبل أكبر نسبة من اللاجئين السوريين مقارنة بعدد سكانه، مما يحتم الحق بأخذ القرارات المناسبة لضمان أمن البلاد.
– فليسمحوا لنا السوريين بأخذنا القرار الذي نضمن به أمن لبنان. وعلى كل حال، نحن لا نمنع دخولهم بالمطلق بل نطلب من الذي لديه أحد من اقاربه في لبنان بأن يقدم على دعوة مسبقة للسماح له بدخول البلاد، وإذا لم يكن هناك ما يمنع دخوله من قضايا او غيرها فالموافقة تأتي فوراً، هذه الموافقة تشبه الدعوة المسبقة التي تطلبها اي دولة أخرى.
أما في حالة السوري، الذي يمتلك ختم خروج شرعي من تركيا، ويرغب بدخول لبنان ليعبر منه الى سوريا، فقال المصدر الأمني أنه في تلك الحالة يرسل أمن المطار طلبا سريعا الى مديرية الأمن العام للسماح له بالدخول ترانزيت لمدة 24 ساعة.
أما اذا لم يكن لديه ختم خروج شرعي من تركيا فهنا الموافقة تأتي للنساء والعائلات وكبار السن فقط، أما أن يأتينا شاب سوري في العشرين من عمره، دخل تركيا عن طريق التهريب وخرج خلسة منها الى اوروبا ويأتي بعدها الينا يريد الدخول الى لبنان، فـ ”يسمحلنا! هو هيك طخنا!” وعلى الأكيد نعيده الى البلد التي أتى منه! هناك حالات وأعمار لا نستطيع السماح بمرورها بسبب الاوضاع الامنية الصعبة في المنطقة”.
ورداً على عدة شكاوى وردت من عدة سوريين عن معاملة غير لائقة لهم في المطار، فقد أكد المصدر انها اصوات مغرضة لخلق بلبلة بين السوريين واللبنانيين.
“هذه كلها خبريات واشاعات غير حقيقية. نحن فقط نعيد ترحيل السوريين بنفس الاجراءات التي يتبعها أي بلد آخر. ويوجد لدينا قاعة انتظار كبيرة في المطار مكيفة وكبيرة جداً يبقون فيها لموعد ترحيلهم القادم. وهي قاعة ترانزيت لجميع المسافرين وليس لهم فقط.”
وعن كيفية التأكد من خروجهم بطريقة غير شرعية بعد حصولهم على اقامات اوروبية وغيرها، قال المصدر الامني أن جوازات السفر التي لا يوجد عليها ختم خروج من سوريا او تركيا فهذا يعني أن اصحابها خرجوا خلسة، وحتى لو أصدروا جوازات سفر جديدة فبإمكان الامن العام تبيان الامر بسهولة عبر اجراءات يجريها بمعرفته.
وزارة الشؤون الاجتماعية تخلي مسؤوليتها الانسانية وتعلن تضامنها مع الامن العام اللبناني
وكان لمستشارة وزير الشؤون الاجتماعية للشؤون الانسانية والدولية، والمشرفة العامة على مشروع الاستجابة للحالة والازمة السورية، هلا الحلو، آراء مشابهة للمصدر الامني من حيث اعتبار الجانب الانساني امرا ثانويا امام ضمان امن البلاد. وفي لقاءنا معها في مكتبها في بيروت، قالت إن الدولة اللبنانية معنية بالسوريين الموجودين على ارض لبنان فقط، وهي توليهم اهتماما كبيرا من الناحية الانسانية، رغم تخطيهم المليون ونصف في بلد لا يتعدى تعداد موطنيه الاربعة ملايين. أما بالنسبة للسوريين القادمين من الخارج فهم خارج اهتمام الجانب اللبناني بهم من جميع النواحي.
السوري الذي خرج من لبنان لم يعد نازحا مسجلا لدى مفوضية الامم المتحدة لدينا، بل أصبح مواطنا سوريا عاديا ولزاما عليه تأمين الاوراق المطلوبة للسماح له بدخول لبنان مثله مثل اي مواطن آخر.
كما أكدت المستشارة على متانة العلاقة التاريخية بين لبنان وسوريا وتخطيها الازمة السورية الراهنة. ونفت وجود أية نية للبنان بتسكير الحدود ضد السوريين، لكن الأمن العام اللبناني بناء على قرار الحكومة الذي اتخذ في 23 من شهر أكتوبر 2014 ، والذي يقضي بإبقاء الحدود مفتوحة امام المواطنين السوريين الراغبين بدخول لبنان بغرض الزيارة أو السياحة أم الطبابة أو العمل، منع دخول المزيد من النازحين لعدم احتمال البلاد المزيد منهم.
– إذا كانت اوروبا كلها اعلنت الصرخة عندما دخلها 100 ألف لاجئ واعتبرتها أزمة لاجئين كبرى، فكيف ببلد صغير يمر بأزمات كبيرة مثل لبنان! ومع هذا فانه لدينا استثناءات لحالات انسانية تسمح فيها الدولة اللبنانية بدخول اصحابها كنازحين بعد دراستها من وزارة الشؤون الاجتماعية.
ورداً على عدم انسانية منع دخول المزيد من النازحين الى لبنان، قالت هلا الحلو أنه وبسبب الاهتمام بالجانب الانساني في الدرجة الاولى أعلن لبنان اكتفاءه من دخول المزيد من السوريين، وذلك لان تخطي الاعداد الموجودة سيؤدي الى ازمة كبرى في تأمين الكهرباء والماء والبنى التحتية لجميع المقيمين على ارض لبنان.
نحن نعمل على جعل البؤس اقل. الانسانية لا تعني ان تسمحي بدخول الناس فقط، بل بجعل حياتهم اقل بؤسا في مكان الاقامة الجديدة.
أما عن اهتمام وزارة الشؤون الاجتماعية لجهة دخول السوريين عبر مطار رفيق الحريري الدولي، قالت ان الوزارة معنية بالسوريين الذين يريدون الدخول الى لبنان عبر سوريا مباشرة.
السوري الذي يأتي من بلد آخر هو بالنسبة للبنان مواطن غير معرض للخطر المباشر، مما يعني أن المعايير الانسانية تختلف وتأتي بالمرتبة الثانية بعد المعايير القانونية لإجراءات الدخول.
هذا ونوهت هلا الحلو عن أن لبنان غير معني بحصص الامم المتحدة لتوزيع اللاجئين لعدم كونه بلد لجوء.
– إذا كنا نتكلم هنا عن اعادة التوطين، فدعينا نذكر ان لبنان ليس بلد لجوء نهائيا، دستور لبنان ينص على عدم التوطين. مما يعني ان لبنان هو فقط مكان لعابري السبيل ليعودوا لاحقا الى بلدانهم او ليمروا من خلاله الى بلد ثالث يلجؤوا اليه ويعاد توطينهم فيه. مؤتمرات الامم المتحدة تقوم على أخذ اللاجئين وتوزيعهم على بلدان اللجوء، ولبنان من الدول التي تصدر طالبي اللجوء للأمم المتحدة. وللأسف لم يستطع لبنان تحقيق الهدف المرجو لهذه السنة وهو اعطاء الامم المتحدة ١٠٪ من النازحين السوريين في لبنان لإعادة توطينهم في بلاد اللجوء وذلك لإعلان تلك البلاد اكتفاءها من أعداد اللاجئين لديها.
وفي ختام حديثها عبرت مستشارة وزير الشؤون الاجتماعية هلا الحلو، عن تخوفها من اصرار بلدان اللجوء على انتقاء خيرة طالبي اللجوء في لبنان لتوطينهم لديها، وهو الامر الذي يؤدي الى تفريغ سوريا من الفئات المتعلمة والمثقفة التي من الممكن ان تساهم في اعادة الاعمار لاحقاً. كما كان من الملفت اصرار تلك البلدان على اخذ السوريين من الطائفة المسيحية بالدرجة الاولى مما يعني ايضا تفريغ الشرق الاوسط منهم وبالتالي تغيير ديموغرافية المنطقة بشكل كبير.
المصدر: الكومبس