لم يكن تكريم المدرّس في محافظة الشرقية “ياسر رشاد” -إثر فوزه بإحدى مسابقات وزارة التعليم على مستوى الجمهورية- الأول من نوعه من حيث التواضع والتدني في القيمة، إلا أنه كان الأكثر إثارة للتندر والسخرية، فقد تمثل في شهادة استثمار قيمتها 30 جنيها (2.5 دولار) تصرف بعد عشرين عاما.
التكريم الذي تم منذ قرابة الأسبوع، أثار جدلا واسعا في وسائل الإعلام المصرية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث حظي بسخرية كثير من النشطاء، كما انتقده إعلاميون مقربون من السلطات بشكل واسع.
المدرس الفائز بالتكريم أبدى بدوره استياءه الشديد مما حدث معه، وصرح لوسائل إعلام مصرية بأنه “ليس راضيا”، وبأن التكريم لو انحسر في شكل معنوي بلقاء وزير التعليم ونيل شهادة تقدير منه لكان ذلك أفضل له.
وزارة التعليم نفت الواقعة في البداية عبر وكيلها بمحافظة الشرقية محمد الشيمي، ثم بعد تأكيدها وصف الشيمي تفاصيل الخبر بأنه “غير دقيق”، مشيرا إلى أن ما تم هو “ثناء الوزارة على مدرسة المدرس وإرسالها شيكا بمبلغ 1600 جنيه (128 دولارا) وزع على مدارس الشرقية، وكان نصيب المدرسة 30 جنيها”.
ولم تكن هذه هي الحالة الأولى من نوعها، فقد سبق ذلك تكريم الأزهر الفائزَ الأول بإحدى مسابقات القرآن الكريم بـ25 جنيها (دولاران)، كما كافأ محافظ البحيرة في عام سابق الطلاب المتفوقين بعشرة جنيهات لكل طالب (أقل من دولار).
ميؤوس منه
وفي تعليقه على هذا الأمر، يرى الباحث المهتم بالشأن العلمي والتنموي مجدي سعيد، أن “النظام المصري باتت حالته ميؤوسا منها، ولم يعد يهتم إلا بقمع من يعارضه، وما يقوم به من تكريمات شكلية لا تزيد في هذه الحقيقة ولا تنقص منها”.
وتابع في حديثه للجزيرة نت “ليس بهذه الأشكال من التكريم تنصلح أحوال الأمور في مصر.. التكريم يحقق معناه المطلوب إذا كان في وضع غير الوضع وظروف غير الظروف.. يوم أن تكون هناك حكومة يرضى عنها الناس، جاءت منهم وتعمل لصالحهم”.
ويرى سعيد أن هذه الحكومة إذا توفرت فيها تلك الشروط، سترعى مستحقي التكريم بالشكل اللائق “بخلاف ما يحدث الآن من تكريم نماذج مثيرة للجدل كأحد نجوم التمثيل لكونه أداة من أدوات دولة العسكر وهيئتها للشؤون المعنوية”.
بينما لخص المحلل السياسي محمد جمال عرفة “المشكلة في تقديم الدولة قيما فاسدة على حساب أخرى صالحة بشكل ضمني”، مضيفا “النظام بأدائه هذا يزرع في عقول المصريين استحقاق أمثال لاعبي الكرة ومحترفي التمثيل التكريمَ والتقديم على حساب غيرهم ممن هم في مجالات أنفع كمجالات التعليم والبحث العلمي”.
وتابع عرفة للجزيرة نت أنه “ليست هناك قيم ولا عدالة فيما يخص واقعة مكافأة معلم الشرقية، وحينما ترى الأجيال الصاعدة مكافأة لاعب بقرابة مئتي ألف جنيه (16 ألف دولار) لأنه فاز بالدوري، مقابل 30 جنيها للمدرس، فالرسالة أن اللاعب أولى بالاقتداء”.
ورأى أن مثل هذا المستوى من التكريم من شأنه أن يترك أثرا عكسيا، مشيرا إلى رد فعل المدرس الذي قال إنه أصيب بالإحباط حينما علم بطبيعة المكافأة، مضيفا “طالما لا يوجد تقدير حقيقي، فلن يسعى أحد للتطوير”.
من جهتها، اعتبرت الباحثة الاجتماعية صفاء صلاح الدين، أن أساس تدني تعامل الدولة مع تكريم المميزين يرجع إلى “عدم تقديرها لقيمة من تكرمهم وعدم استشعارها للمعنى الأدبي للتكريم”.
ورأت في حديثها للجزيرة نت أن ذلك “أفقد الكثيرين حافز التفوق، ومن لديه تلك الرغبة فسيسعى إلى استنفاد جهده خارج مصر ليحقق هدفه”، لافتة إلى أن الدولة تكرم من ترى فيه نموذجا وقدوة للشعب المصري.
في المقابل، يرى ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل الديمقراطي أن “هذه الأزمة قديمة ولا يتحملها النظام الحالي رغم ما يعانيه من ضعف وارتباك”.
وأضاف للجزيرة نت أن “أساليب وأشكال التكريم والتقدير بهذه الصورة، أمر مستقر منذ عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، والأمر يحتاج إلى جهد كبير لتصحيحه، والأوضاع الحالية لا تساعد على تحقيق ذلك”.