يتمتع النرويجيون بثاني أعلى ناتج محلي إجمالي للفرد الواحد (بعد لوكسمبورغ) وثالث أعلى ناتج محلي إجمالي (تعادل القوة الشرائية) للفرد الواحد في العالم. حافظت النرويج على المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمدة ست سنوات متتالية (2001-2006)،[12] ومن ثم استعادت هذه المرتبة في عام 2009.[13]
يعد الاقتصاد النرويجي مثالاً على الاقتصاد المختلط، حيث يتألف من مزيج من اقتصاد رأسمالي مزدهر يقوم على السوق الحرة وملكية الدولة الكبيرة لبعض القطاعات الرئيسية. تمتلك الدولة حصصاً كبيرة في القطاعات الصناعية الرئيسية عبر شركات، فمثلاً في قطاع النفط الاستراتيجي (ستات أويل) وإنتاج الطاقة الكهرمائية (ستات كرافت) وإنتاج الألمنيوم (نورسك هيدرو) وأكبر بنوك النرويج (د.ن.ب نور) ومزود الاتصالات (تيلينور). من خلال هذه الشركات الكبيرة تسيطر الحكومة على ما يقرب من 30% من قيمة الأسهم في بورصة أوسلو. عندما يتم تضمين الشركات غير المدرجة في البورصة فإن حصة الدولة في البورصة ترتفع (أساساً من ترخيص ملكية النفط المباشرة). النرويج هي من الدول الكبرى في قطاع الشحن البحري في العالم حيث تمتلك سادس أكبر أسطول تجاري ويتألف من 1,412 سفينة تجارية.
دل الاستفتاءان في عامي 1972 و 1994 على رغبة الشعب النرويجي في البقاء خارج الاتحاد الأوروبي. مع ذلك فإن النرويج بالإضافة إلى آيسلندا وليختنشتاين أعضاء في السوق الأوروبية الموحدة من خلال اتفاقية المنطقة الاقتصادية الأوروبية. نقلت معاهدة المنطقة الاقتصادية الأوروبية بين دول الإتحاد الأوروبي ودول رابطة التجارة الحرة الأوروبية إلى القانون النرويجي عبر “إيوس- لوفن”،[67] الذي يصف إجراءات تنفيذ قواعد الإتحاد الأوروبي في النرويج وغيرها من بلدان رابطة التجارة الحرة الأوروبية. يجعل هذا الأمر من النرويج عضواً متكاملاً للغاية في معظم قطاعات السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي. مع ذلك فإن بعض القطاعات مثل الزراعة والنفط والأسماك لم تطرح بالكامل في المعاهدة. انضمت النرويج إلى اتفاقية شينجن والعديد من الاتفاقات الحكومية الأخرى بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
تعد النرويج غنية بالموارد الطبيعية بما في ذلك النفط والطاقة المائية والأسماك والغابات والمعادن. تم اكتشاف احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي في عقد الستينيات من القرن العشرين، الأمر الذي أدى إلى ازدهار كبير في الاقتصاد. تمتلك النرويج واحدة من أعلى مستويات المعيشة في العالم بسبب الكمية الكبيرة من الموارد الطبيعية مقارنة مع حجم السكان. تؤمن الدولة خدمات مجانية للشعب مثل الرعاية الصحية كما يحصل الوالدان على إجازة أمومة لمدة 12 شهراً مدفوعة الأجر.[68] الدخل الذي تحصل عليه الدولة من الموارد الطبيعية يضم مساهمة كبيرة من إنتاج النفط والدخل الكبير الناجم عن حسن إدارة هذا القطاع. معدل البطالة في النرويج منخفض جداً وحالياً يبلغ 3.1%.[69] تعتبر مستويات الإنتاج الساعية فضلاً عن متوسط الأجور في الساعة الواحدة في النرويج من بين أعلى المعدلات في العالم. تضمن قيم المساواة في المجتمع النرويجي أن يكون الفرق في الأجور بين العمال الأقل أجراً والرؤساء التنفيذيين لأكبر شركات البلاد أقل مما هو بكثير في الاقتصادات الغربية القابلة للمقارنة. يتضح هذا الأمر أيضاً في معامل جيني النرويجي المنخفض.
تكلفة المعيشة في النرويج أعلى بحوالي 30% مما هي عليه في الولايات المتحدة و 25% أعلى من المملكة المتحدة. يُعد مستوى المعيشة في النرويج من بين أعلى المعدلات في العالم. تصنف مجلة السياسة الخارجية النرويج في المرتبة الأخيرة في مؤشر الدول الفاشلة لعام 2009، بذلك تكون النرويج أفضل دول العالم من حيث حسن الأداء والاستقرار. صادرات النفط والغاز المستمرة إلى جانب وجود اقتصاد سليم وتراكم الثروة الكبيرة يؤدي إلى استنتاج مفاده أن النرويج سوف تظل من بين أغنى البلدان في العالم في المستقبل المنظور.
المصادر
ارتفعت حصيلة صادرات البلاد من النفط والغاز بنسبة 45% من إجمالي الصادرات، وتشكل أكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي.[70] النرويج هي خامس أكبر مصدر للنفط وثالث أكبر مصدر للغاز في العالم ولكنها ليست عضوًا في منظمة أوبك. للحد من ارتفاع حرارة الاقتصاد بسبب الاعتماد على عائدات النفط والحد من عدم اليقين بسبب تقلب أسعار النفط، ولتوفير وسادة لحماية الفئة المتقدمة في العمر من السكان، أنشأت الحكومة النرويجية في عام 1995 صندوق الثروة السيادية (“صندوق معاشات التقاعد الحكومي – العالمي”)، والذي يمول من عائدات النفط بما في ذلك الضرائب والأرباح وعائدات المبيعات ورسوم الترخيص.
تسيطر الحكومة على مواردها النفطية من خلال الجمع بين ملكية الدولة لشركات النفط الكبرى العاملة في حقول النفط (ملكت الدولة ما يقرب من 62% من ستات أويل في عام 2007) وبيتورو المملوكة للدولة بالكامل والتي تبلغ قيمتها السوقية ضعفي ستات أويل ومصلحة الدولة المالية (بالنرويجية: Statens direkte økonomiske engasjement, SDØE). وأخيراً فإن الحكومة تسيطر على ترخيص التنقيب والإنتاج في الحقول النفطية. يستثمر هذا التمويل في الأسواق المالية المتقدمة خارج النرويج. دور الميزانية هو صرف ما لا يزيد عن 4% من الصندوق في كل عام.
بحلول يناير/كانون الثاني سنة 2006، قُدر مقدار صندوق المعاشات التقاعدية لحكومة النرويج بنحو 200 مليار دولار. خلال النصف الأول من عام 2007، أصبح صندوق التقاعد الأكبر في أوروبا بأصول تبلغ نحو 300 مليار دولار (أي ما يعادل أكثر من 62000$ للفرد الواحد). يتساوى توفير الحكومة النرويجية مع الناتج المحلي الإجمالي، كما كان احتياطها المالي أكبر احتياطي للفرد الواحد من أي دولة أخرى في نيسان/أبريل سنة 2007. تشير التوقعات إلى أن صندوق المعاشات النرويجي يمكن أن يصبح أكبر صندوق رأس مال في العالم، وحاليًا هو ثاني أكبر صندوق ثروة سيادي مملوك لدولة، خلف جهاز أبوظبي للاستثمار. تشير التقديرات المتحفظة بأن حجم الصندوق قد يصل إلى ما بين 800 و 900 مليار دولار بحلول عام 2017. اعتباراً من نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2009 وصل حجم هذا الصندوق إلى 455 مليار دولار وسيطر على ما يقرب من 1.25% من جميع أسهم الشركات المدرجة في أوروبا وأكثر من 1% من الأسهم المتداولة في جميع أنحاء العالم. يستثمر البنك المركزي النرويجي في كل من لندن ونيويورك وشنغهاي. تسمح مبادئ توجيهية جديدة (نفذت في عام 2007) للصندوق بالاستثمار بما يصل إلى 60% من رأس المال في الأسهم (40% سابقاً)، في حين يمكن وضع الباقي في السندات والعقارات. مع تراجع أسواق الأسهم في أيلول/سبتمبر سنة 2008، كان الصندوق قادرًا على شراء المزيد من الأسهم بأسعار منخفضة. وبهذه الطريقة تعافى من الخسائر التي تكبدها جراء الاضطرابات في السوق في نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2009.
تحاول الاقتصادات الأخرى القائمة على الموارد الطبيعية مثل روسيا الاستفادة من تجربة النرويج عن طريق إنشاء صناديق مماثلة. توجه الخيارات الاستثمارية للصندوق النرويجي مبادئ أخلاقية فمثلاً لا يسمح للصندوق للاستثمار في الشركات التي تنتج قطع غيار للأسلحة النووية. وقد أشاد المجتمع الدولي بشفافية خطط الاستثمار.
يرتبط الحجم المستقبلي لهذا الصندوق بطبيعة الحال ارتباطاً وثيقاً بأسعار النفط والتطورات في الأسواق المالية الدولية. بلغ الفائض التجاري النرويجي لعام 2008 حوالي 80 مليار دولار. مع وجود كمية هائلة من السيولة المستثمرة في الأسواق المالية الدولية تمتلك النرويج الحماية المالية الكافية لتجنب العديد من الآثار السلبية الناجمة عن الأزمة المالية التي أصابت معظم بلدان العالم في خريف عام 2008. تصارع معظم الدول الغربية للتخلص من ديونها الخارجية المتزايدة بينما تعد النرويج جزيرة بعيدة عن هذه الحال حيث تحفظ الثروة والاستقرار المالي والقوة الاقتصادية لمواجهة تحديات الأزمة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم. على الرغم من الأزمة استطاعت النرويج إدارة ميزانية الدولة فائضة 9% حيث أصبحت أول بلد غربي يدير فائضاً اعتباراً من يوليو 2009.
في عام 2000، باعت الحكومة ثلث شركة النفط المملوكة للدولة “ستات أويل” في الاكتتاب العام. وفي العام التالي، أدرج المورد الرئيسي للاتصالات “تيلينور” في بورصة أوسلو. تملك الدولة أيضاً حصصاً كبيرة في البنك الأكبر في النرويج “دي أن بي نور” وشركة ساس للطيران. منذ عام 2000 تسارع النمو الاقتصادي مما وصل بمعدلات البطالة إلى مستويات لم تشهدها منذ أوائل عقد الثمانينات من القرن العشرين (وصل معدل البطالة في عام 2007 إلى 1.3%). أثرت الأزمة المالية الدولية في المقام الأول على القطاع الصناعي ولكن من غير المرجح أن تتجاوز البطالة 3.5% في الفترة الممتدة بين عاميّ 2009 و 2010. النرويج هي من بين البلدان الأقل تأثراً بالتباطؤ الاقتصادي الدولي. السويد المجاورة تشهد ارتفاع أرقام البطالة الفعلية والمتوقعة إلى حد كبير نتيجة لحالة الركود الحالية وخلال الربع الأول لعام 2009 تجاوز الناتج القومي الإجمالي للنرويج ذاك الخاص بالسويد للمرة الأولى في التاريخ على الرغم من أن عدد سكانها يقرب من نصف عددهم في السويد.
النرويج أيضاً ثاني أكبر مصدر للأسماك في العالم (من حيث القيمة بعد الصين).[11] تولد محطات الطاقة الكهرمائية ما تتراوح نسبته بين 98 و 99% من الطاقة الكهربائية في النرويج.