أبت الصين إلا أن تكون ثالثة ثلاث دول ارتادت القمر، مؤكدة أنها ليست أقل شأنا من الولايات المتحدة ولا من روسيا اللتين سبقتاها إلى هذا الفضاء العلمي والتكنولوجي، حتى لو حمل برنامجها اسم “تشانغ-آه”، فآه الصينية هنا تعني التحدي لا التأوه الذي اعتاده الآخرون حسرة وعجزا.
استلهام الأسطورة
اختار القائمون على المشروع العلمي الفضائي الصيني لارتياد واستكشاف القمر اسم “تشانغ آه”، وهو اسم لشخصية تحولت إلى إلهة القمر في إحدى الأساطير الصينية القديمة تعود إلى عام 2170 قبل الميلاد٬ وتقول إن زوج تشانغ آه شعر بالأسف الشديد تجاه زوجته الحزينة٬ وسمع أن على جبل كونلون عشبا سحريا يستطيع الإنسان الذي يتناوله الصعود إلى السماء ليصبح إلها.
توجه الزوج المحب إلى جبل كونلون وجلب العشب٬ إلا أن كمية العشب لم تكف اثنين٬ ولم يكن يريد الصعود إلى السماء وحده٬ فحمل العشب إلى البيت وخبأه. لكن تشانغ آه لم تعد تحتمل الحياة الفقيرة والصعبة٬ وعثرت على العشب السحري عندما خرج زوجها من البيت فتناولته.
وفجأة٬ شعرت بأنها خفيفة جدا ورفرفت نحو السماء ووصلت إلى القمر في النهاية٬ ودخلت قصرا يدعى قوانغ هان قونغ وأصبحت إلهة السماء تعيش وحدها في القمر الهادئ واللطيف حتى اليوم٬ وتشتاق إلى زوجها وحياتهما السعيدة بين حين وآخر٬ خاصة في اليوم الـ15 من الشهر الثامن القمري حيث يصبح القمر بدرا.
غايات ووسائل
ومن الأسطورة إلى الواقع حيث حددت الصين مجموعة من الأهداف العلمية لمشروعها لارتياد القمر ولمهمة كل مسبار تطلقه لهذا الغرض من بينها، هي مسح ثلاثي الأبعاد لسطح القمر، وبحث خصائص ثرى القمر وطبقة التربة، وتحليل العناصر الموجودة على سطح القمر وتوزيعها، واستكشاف الظروف بين كوكب الأرض والقمر.
أما الوسائل التكنولوجية للمشروع فتضمنت تطوير أول مسبار يدور حول القمر وإطلاقه،
وتجربة التكنولوجيا اللازمة للدوران في مدار حول القمر، وتطوير نظام هندسي أساسي لاستكشاف القمر، واكتساب خبرة لعمليات استكشاف القمر المستقبلية.
مراحل
يتضمن برنامج الصين لاستكشاف القمر ثلاث مراحل، الأولى إرسال مسبار إلى القمر والثانية إطلاق سفينة فضاء نحوه لتحقق هبوطا لينا على سطحه، والثالثة إرسال سفينة فضاء واستعادتها وهي تحمل عينات من تربة وصخور القمر لإجراء أبحاث علمية عليها.
وترجمة لهذه المراحل المحددة سلفا انطلق يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2007 أول مسبار قمري صيني أطلق عليه اسم “تشانغ آه -1″، وبلغ وزنه 2300 كيلوغرام، وجرى إطلاقه من برج الإطلاق رقم 3 في “قاعدة شيتشانغ” لإطلاق الأقمار الاصطناعية فى مقاطعة سيتشوان الشرقية جنوب غرب البلاد بصاروخ حامل من طراز لونج مارش 3 (المسيرة الطويلة 3 أ).
ولم تنفذ عملية الإطلاق إلا بعد أن اجتاز الصاروخ الحامل “لونغ مارش” كافة الاختبارات التي تسبق الإطلاق، وتم نقلهما إلى موقع الإطلاق، وتولت مراكز المراقبة في البر والبحر، وأربعة مراصد فضائية مراقبة تشانغ آه-1. ونفذ مركز بكين للتحكم الفضائي تصحيحا مداريا لمسار “تشانغ آه -1” عقب حوالي تسعة أيام من إطلاقه.
ودخل المسبار المدار القمري في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، وظل يعمل حتى الأول من مارس/آذار عام 2009، حيث قرر القائمون على المشروع صدمه عن عمد بسطح القمر، لكن البيانات التي جمعها تشانغ آه-1 ساعدت في رسم خريطة ثلاثية الأبعاد للقمر مما ساعد في اختيار موقع هبوط المهمات اللاحقة خصوصا “تشانغ آه-3” الذي أطلقته الصين عام 2013.
تشانغ آه-2
في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2010 أطلقت الصين مسبارا فضائيا ثانيا غير مأهولٍ سمته تشانغ آه -2 لاستكشاف القمر في مهمة لاحقة ومكملة لرحلة “تشانغ آه-1” وأنجزت تلك المهمة دراساتٍ عديدة لسطح القمر على مدار ارتفاعه 100 كيلومتر.